القبيلة كيان صغير لا يقارن بالوطن بأي حال من الأحوال، بل إن القبيلة تذوب فيه وتتلاشى مع قيام الدولة، ونحن كلنا ننتمي إلى قبائل عربية، ولكن انتماءنا لقبائلنا كان في زمن اللادولة، ومع قيام الدولة انتهى دور القبيلة واصبح ولاؤنا للوطن فقط، هذا الوطن الذي رعانا من المهد إلى اللحد، وأعطانا الأمن والأمان، وكفل لنا العيش الكريم، فصار لنا الأب والأم والخال والعم، وكل شيء بالنسبة لنا، هذا الوطن العزيز الذي جمع أبناءه دون تفرقة بين هذا وذاك فجعلنا سواسية فلا قبلية ولا عنصرية ولا طائفية، إنها الكويت وحسبك، وكل الطرق تؤدي إلى الوطن مهما شرقنا وغربنا.
وقد طفا على السطح في السنين الأخيرة ظاهرة سلبية مقيتة، لم نكن نعهدها ولا نعرفها من ذي قبل، وهي التفاخر والتباهي والاعتزاز بالقبيلة دون الوطن، وهذه الظاهر سلبية ومقيتة وخطيرة، ولها تبعاتها وأضرارها، فبدلا من أن نعتز ونفتخر كمواطنين بالوطن صرنا نعتز بالقبيلة دون الوطن، فهل القبيلة أهم من الوطن؟ ومتى كانت القبيلة تقوم مقام الوطن؟ إن هذا الأمر الخطير فيه نسف للأسس الوطنية التي تربينا عليها، وإثارة للعصبية، وإظهار للنعرات، ومخالفة صريحة لمبادئ شريعتنا السمحة، كما أنه منزلق خطير له عواقب وخيمة يغفل عنها كثير من الناس، فلم ضعفت الوطنية عند شريحة كبيرة من المجتمع؟ وكيف تسمح لك نفسك بالتفاخر بالانتماء للقبيلة دون الوطن الأم؟ ومن نحن دون هذا الوطن؟ وقد لاحظنا أن مئات المواقع الإلكترونية صارت بوقا للقبلية، تتغنى بمآثرها متناسين ما كانت عليه القبائل من حروب وتطاحن وتناحر قبل قيام دول الخليج، فمتى كان الولاء للقبيلة أهم من الولاء للوطن؟ وما يثير الدهشة حقا أننا أصبحنا نسمع قصائد تمجد القبيلة وتروج لها بعد أن كنا لا نسمع إلا القصائد الوطنية التي تبث روح محبة الوطن والتضحية في سبيله، وهذا الأمر فيه تهديد لوحدة الصف وتماسك المجتمع، فنحن بحاجة ماسة الى خطاب وطني لا خطاب طائفي يثير النعرات، ولا يمكن أن تحل القبيلة محل الوطن، ولا يمكن لأحد أن يتباهى على أحد، فكلنا أبناء وطن واحد لنا حقوق وعلينا واجبات، ونحن منتمون للوطن وليس للقبيلة، بل ونتشرف بانتمائنا لهذا التراب العزيز، الذي نعض عليه بالنواجذ، وهذه الأصوات النشاز لا نريد لها أن تعلو وترتفع، بل نريد لها أن تختفي، ولا نقبل التغريد خارج سرب الوطن.
ومن هنا نقول يجب على الدولة أن تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار، وألا تتساهل إزاء هذه الظاهرة السلبية التي تهدد المجتمع، فلا تفريط في الهوية والانتماء، وقد نبهنا الله تعالى إلى ذلك حيث قال عز من قائل: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: يأيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلغت؟ قالوا: بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ليبلغ الشاهد الغائب.
ويا من تتفاخر بقبيلتك دون وطنك اعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بكى حزنا وهو يخرج من مكة المكرمة وطنه ومسقط رأسه، وقال: «ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك» (رواه أحمد وابن ماجه). ودمتم سالمين.