- الرسول صلى الله عليه وسلم كان على ثقة من دينه ونصْر الله له ولم يرضخ لتهديد أو إيذاء ولم يمِل إلى إغراء
- قريش تجاوزت الحدود في إلحاق الأذى بالنبي صلى الله عليه وسلم ومن آمن برسالته فذهب إلى الطائف يلتمس النصرة من أهلها
- أهل مكة كانوا يحسبون لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم حساباً كبيراً ويعلمون أنه لن يتوقف حتى تبليغ رسالته وأنه منتصرٌ لا محالة
- في سادة مكة مَن لهم عقول تفكر وتبحث عن الحلول الكفيلة باستمرار الحياة في بلادهم مهما كانت صعبة وقاسية عليهم
في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لا يسأم المسلم من استذكاره بين وقت وآخر، ففي فعله القدوة والحكمة، ويكفي أنه لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى.
كانت بداية تكليفه بالرسالة قوله تعالى: (اقرأ باسم ربك الذي خلق)، ولهذه الآية دلالات كثيرة لمن يتأمل ذلك، وأقرب دلالاتها أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إنما يتلو على الأمة باسم الله سبحانه وتعالى وليس مما يدور بخلده من مشاعر أو في ذهنه من أفكار.
وعندما تتابع الوحي عليه وصار ملماً بكل ما أوحى به إليه، مطمئنا إلى ذلك، أمره الله سبحانه وتعالى بأن يقوم بالدعوة إليه فجاءه الوحي بهذه الآية الكريمة رقم 94 من سورة الحجر: (فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين)، لا يغرنك شركهم ولا ما يتصفون به من شدة وعنف، ولا بأقوالهم بل اعلم أن الأمر على خلاف ما تظن: (قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون) سورة الأنعام رقم الآية 33.
لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم طارئا على أهل مكة الذين أمر بالدعوة إلى الله وهو بين ظهرانيهم ولكنه كان أحد القرشيين الذين هم سادة الموقع الذي عاش فيه، وكان يعرفهم واحداً فواحداً، وكانوا يعرفونه كما يعرفون أنفسهم، ويقرون بأنه الأمين، ولكنهم سرعان ما نكسوا على رؤوسهم عندما دعاهم للإيمان بالله وحده ونبذ عبادة الأصنام.
وقد زاد أهل مكة طغيانا مجاهرة النبي صلى الله عليه وسلم بدعوته إلى الله، وإعلانه نبذه لما يعبد أولئك من دون الله.
وأغاظهم التفاف البعض حوله وإيمانهم برسالته، واتباعهم للدين الذي يهدم عبادة الأصنام ويغير كثيرا من أنماط السلوك التي كانوا يتمثلون بها في الوقت الذي هم فيه يريدون البقاء على ما هم عليه خشية أن يفقدوا الامتيازات التي كانوا قد حصلوا عليها، مع أن الإسلام لا يمكن أن يفقدهم شيئا لا ضرر فيه على أحد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام».
مضى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في طريقه إلى نشر الدعوة الإسلامية مؤيَّدا من الله عز وجل، ومتصفا بالصبر وتحمل المشاق مهما لقي من أذى قومه إلى أن خرج منهم مهاجرا إلى المدينة المنورة، ثم أقام هناك أساس الدولة الإسلامية التي نشرت الإسلام بوحي من الله سبحانه وتعالى بالقدوة الحسنة بالرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وبإيمان المسلمين الأوائل الذين وصفهم الله في كتابه، ووصف معهم الرسول صلى الله عليه وسلم فقال في آخر آية من سورة الفتح: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود..)، وأتم الله نعمته على رسوله الكريم وعلى المسلمين عندما افتتحت مكة، وصارت أعداد المسلمين كثيرة، لا خوف على الدعوة الإسلامية من أن يتعرض لها أحد بالأذى، وكان ذلك بعد تطهير لصفوف المشركين، فإنه لم يأت يوم الفتح إلا وغلاة المكذبين والمؤذين لرسول الله صلى الله عليه وسلم قد زالوا، وكانت غزوة بدر الكبرى تصفية للأجواء التي أدت إلى فتح مكة.
ولقد مَنَّ الله سبحانه وتعالى على المسلمين بأمرين مهمين هما، اكتمال نزول القرآن الكريم، وإتمام النعمة الإلهية بفتح مكة.
وكان ذلك في آية نزلت في عرفات يوم حجة الوداع، وكانت آخر آية نزلت من القرآن الكريم وهي (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا..).
وكان نزول هذه الآية الكريمة في السنة العاشر للهجرة، وقد وافق يوم الجمعة.
الإشارات السابقة تدل على الجهد المضني الذي بذله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في سبيل إبلاغ الناس بالإسلام، ودعوتهم إلى عبادة الله وحده، ونبذ ما كانوا يعبدونه من أوثان.
وهذه الإشارات تحتاج إلى بيان حتى تكون واضحة للأذهان، ولذا فإنني أقدم هنا ثلاثة أمثلة مما حدث للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، منذ بدأ بإبلاغ الناس بالدين الحنيف، ونبههم إلى خطأ ما هم عليه فلقي منهم ما لقي من أذى، ومن محاولات أخرى فيها بعض اللين بقصد صرفه عن الرسالة التي كلفه الله بها.
وقد أثبتت هذه الحوادث الثلاث التي اخترتها بصفتها أمثلة تدل على ما ذكرت من أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم كان على ثقة من دينه، ومن نصر الله له، ولذا فإنه لم يرضخ إلى تهديد أو إيذاء، ولم يمِل إلى إغراء ولو كان هذا الإغراء يتضمن أمورا لم يحلم بها أي واحد من أهل مكة في أي يوم من الأيام.
وقبل ذكر الأمثلة فإن من المهم أن أذكر أنني قد رجعت في اختيارها إلى مرجعين مهمين هما:
1 - تهذيب سيرة ابن هشام لأستاذي عبدالسلام محمد هارون.
2 - عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير لفتح الدين بن محمد بن سيد الناس.
ونبدأ بذكر هذا الذي حدث من أهل مكة بعد أن ضاقت بهم الأمور في مواجهة الدين الإسلامي، ورأوا أن المسلمين يتزايدون، فتحدثوا فيما بينهم أن اليهود أهل كتاب قديم، ولابد أن لهم معرفة بمثل هذه الأمور فلنذهب إليهم لكي نسألهم عنه.
ولذلك فقد اختاروا اثنين من كبارهم للذهاب إلى المدينة طلبا لمعرفة ذلك، وهناك قال لهم أخبار اليهود:
أسألوه عن ثلاث، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، وكانت هذه هي الأسئلة:
أ - اسألوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول، ما كان من أمرهم، فإنه قد كان لهم حديث عجيب.
ب - اسألوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان من شأنه.
ج - واسألوه عن الروح ما هي.
فإن أخبركم بذلك فاتبعوه، فإنه نبي.
وعاد الرجلان إلى قومهما بذلك، فسأل القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الأمور الثلاثة، فقال لهم: أخبركم غدا، ولم يقل إن شاء الله، فلم ينزل عليه الوحي لمدة خمس عشرة ليلة، وقد تحدث أهل مكة بذلك مما أحزن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم بعد ذلك جاء الوحي بسورة الكهف التي تفتتح بحمد الله تعالى، وفيها ذكر نبوة رسوله، وذكر الفتية الذين ذهبوا، وذكر الرجل الطواف، أما الروح فجاء عنها قوله عز وجل: (ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا).
ولقد ذكر أن اليهود سألوه عندما هاجر إلى المدينة قائلين: إيانا تريد أم قومك؟ فقال: كلا، بمعنى أنه يقصد الطرفين.
فقالوا: أنت تتلو أنا قد أوتينا التوراة فيها بيان لكل شيء.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنها في علم الله، قليل وعندكم من ذلك ما يكفيكم لو أقمتموه.
وقد نزلت بشأن اعتراضهم هذه الآية الكريمة رقم 27 من سورة لقمان، وهي: (ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام والبحر يمده من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله إن الله عزيز حكيم).
وقد جاءت الإجابة عن الأسئلة الثلاثة وتلقاها أهل مكة، ولكن ذلك لم يهدهم إلى الإسلام، فصمموا على كفرهم.
والمثال الثاني دليل على أن قريشا قد تجاوزت الحدود في إلحاق الأذى برسول الله ومن آمن برسالته من أوائل المسلمين، فذهب صلى الله عليه وسلم إلى الطائف يلتمس النصرة من أهلها، ويرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم من الله عز وجل وقد خرج إليهم وحده لم يصحبه أحد.
يقول صاحب كتاب (تهذيب سيرة ابن هشام) ما نصه: «ولما انتهى رسول الله إلى الطائف، عمد إلى نفر من ثقيف وهم يومئذ سادة ثقيف وأشرافهم، وهم إخوة ثلاثة: عبد ياليل بن عمرو بن عمير، ومسعود بن عمرو بن عمير، وحبيب بن عمرو بن عمير، وعند أحدهم امرأة من قريش من بني جمح، فجلس إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعاهم إلى الله وكلمهم بما جاءهم له من نصرته على الإسلام، والقيام معه على من خالفه من قومه، فقال له أحدهم: هو ينزع ثياب الكعبة ويرميها إن كان الله أرسلك.
وقال الآخر: أما وجد الله أحدا يرسله غيرك! وقال الثالث: والله لا أكلمك أبدا، لئن كنت رسولا من الله كما تقول، لأنت أعظم خطرا من أن أرد عليك الكلام، ولئن كنت تكذب على الله ما ينبغي لي أن أكلمك!
فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من عندهم، وقد قال لهم: إذا فعلتم ما فعلتم فاكتموا عني.
وكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ قومه عنه فيثيرهم ذلك عليه.
فلم يفعلوا وأغروا به سفهاءهم وعبيدهم، يسبونه ويصيحون به حتى اجتمع عليه الناس، وألجؤوه إلى حائط (حديقة) لعتبة بن ربيعة وهما فيه، ورجع عنه من سفهاء ثقيف من كان يتبعه، فعمد إلى ظل حبلة من عنب، فجلس فيه وابنا ربيعة ينظران إليه، ويريان ما لقي من سفهاء أهل الطائف.
فلما اطمأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي، وقلة حيلتي، وهواني على الناس، يا أرحم الراحمين، أنت رب المستضعفين، وأنت ربي، إلى من تكلني، إلى بعيد يتجهمني، أم إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضب فلا أبالي، ولكن عافيتك هي أوسع لي.
أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة، من أن تنزل بي غضبك، أو يحل عليَّ سخطك، لك العُتبى حتى ترضى، ولا حول ولا قوة إلا بك!.
فلما رآه ابنا ربيعة: عتبة وشيبة، وما لقي، تحركت له رحمهما، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له «عَدَّاس» فقالا له: خذ قطفا من هذا العنب فضعه في هذا الطبق، ثم اذهب به إلى ذلك الرجل فقل له يأكل منه.
ففعل عدَّاس، ثم أقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال له: كُل. فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه يده قال: باسم الله.
ثم أكل، فنظر عدَّاس في وجهه ثم قال: والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلاد! فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ومن أي البلاد أنت يا عدَّاس وما دينك؟ قال: نصراني، وأنا رجل من أهل نينوى.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قرية الرجل الصالح يونس بن مَتَّى! فقال له عداس: وما يدريك ما يونس بن متَّى؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذاك أخي، كان نبيا وأنا نبي! فأكب عدَّاس على رسول الله صلى الله عليه وسلم يُقبِّل رأسه وقدميه».
ولقد هال ابني ربيعة ما رأياه من عدَّاس هذا، وسألاه لم فعل ما فعل، فقال: ما في الأرض شيء خير من هذا لقد أخبرني بأمر لا يعلمه إلا بني.
أما المثال الثالث، فإننا نرى أن من الأفضل تقديمه بنصه كما جاء في «تهذيب سيرة ابن هشام»، لأن ما رواه صاحب السيرة عند حديثه الذي سوف نذكره هنا أمر جدير بالاهتمام، وفيه دلالة عن أن زعماء مكة في ذلك الوقت كان منهم من يرى في الرسول صلى الله عليه وسلم، ما ينبغي ألا يؤذي بسببه وقد اكتشفوا أنه لا ينطق عن الهوى، فالأدلة التي كانوا يبحثون عنها لكي تكون ضده كانت تأتي على خلاف آمالهم، فتثبت أنه نبي مرسل لا شك في ذلك.
وأما النص فهو:
(حدثت أن عتبة بن ربيعة - وكان سيدا - قال يوما وهو جالس في نادي قريش، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد وحده: يا معشر قريش، ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورا لعله يقبل بعضها، فنعطيه أيها شاء ويكف عنا؟ وذلك حين أسلم حمزة ورأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
يزيدون ويكثرون.
فقالوا بلى يا أبا الوليد، قم إليه فكلمه.
فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت من السطة في العشيرة، والمكانة والنسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم، فرقت به جماعتهم، وسفهت به أحلامهم، وعبت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورا تنظر فيها لعلك تقبل منها بعضها.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل يا أبا الوليد أسمع».
قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالاً وإن كنت تريدا به شرفا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرا دونك، وإن كنت تريد به ملكا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيا، تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا فيه أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوي منه.
حتى إذا فرغ عتبة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يستمع منه.
قال: أقد فرغت يا أبا الوليد؟ قال: نعم.
قال: فاسمع مني.
قال: أفعل، فقال: (بسم الله الرحمن الرحيم حم (1) تنزيل من الرحمن الرحيم (2) كتاب فُصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون (3) بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون (4) وقالوا قلوبنا في أكنّة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون (5)).
ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها يقرؤها عليه، فلما سمعها منه عتبة أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدا عليهما يسمع منه، ثم انتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى السجدة منها، فسجد، ثم قال سمعت يا أبا الوليد ما سمعت، فأنت وذاك.
فقام عتبة إلى أصحابه، فقال بعضهم لبعض: نحلف بالله لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به.
فلما جلس إليهم قالوا: ما وراءك يا أبا الوليد؟ قال: ورائي أني سمعت قولا والله ما سمعت بمثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة.
يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، وخلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.
قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فيه فاصنعوا ما بدا لكم»
هذا الذي قرأناه آنفا فيه دلالة على أمور كثيرة أولها: أن أهل مكة كانوا يحسبون لدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم حسابا كبيرا، ويعلمون أنه سوف لا يتوقف عند تبليغ الرسالة وأنه منتصر لا محالة.
وثانيها: أن في سادة مكة من لهم عقول تفكر وتبحث عن الحلول التي تكفل استمرار الحياة في بلادهم على ما كانت عليه مهما كانت هذه الحلول صعبة وقاسية عليهم.
وثالثها: التأكيد على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى، والدليل على ذلك أنه لم يجب على ما عرض عليه الوليد بن عتبة إلا بآيات من القرآن الكريم، وهي آيات زلزلت الوليد، وجعلته يقول لقومه ما قاله لهم.
ورابع الأمور ما نراه من أدب الخطاب عند الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حين ينادي الرجل بقوله: يا أبا الوليد في أكثر من موضع ولم يسمه باسمه المجرد، وهذه عندهم من دلائل الاحترام والتوقير.
ومن معاني الكلمات التي وردت في المحاورة ما يلي:
السِّطة: التوسط، ويعني بها الشرف.
الرئيّ: ما يتراءى للإنسان من الجن كما كانوا يعتقدون آنذاك، وهو التابع أيضا.
أما آية السجدة فهي في قوله تعالى: (ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون).
هذا هو ما أردت أن أقدمه من أمثلة على قيام الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم بمهمة الدعوة إلى الله لم يمنعه من ذلك ما لقيه من كيد وتكذيب، وما شاهده من أذى مسه ومسّ من آمن برسالته، واتبع الذي جاء به لقد خلق محمد صلى الله عليه وسلم نبيا، تدل عليه الدلائل الواضحة منذ ولدته أمه الكريمة، ومنذ شهدت له مرضعته حليمة السعدية، وأنذر به بحيرا الراهب عمه عندما كان معه. وهو صغير. في رحلة الصيف إلى بُصرى الشام، ويكفي أن قريشا لم تكن تدعوه إلا بقولها: الأمين.
وكل ذلك تؤكده الآية الواردة في سورة الأحزاب، ورقمها 40، وهي: (ما كان محمدٌ أبا أحدٍ مِن رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما).
صلى الله عليه وسلم وبارك.
والحمد لله رب العالمين