اللهجة.. هي امتداد لغوي لا يقل أهمية عن الفصحى في أدبها وفنونها، كما أن لها مكانة بين الفنون والآداب، لذا فإن دراستها تعطي كما من التراث الإنساني الذي نحتفظ به.
والسؤال: هل للهجات المنتشرة في مختلف الأقطار العربية الآن - في عصر الفضاء الإلكتروني الواسع - تأثير مدمر على بنية ومكانة ومستقبل اللغة العربية الفصحى (الأم)؟
سؤال دائما ما يطرحه الباحثون في دراساتهم، ويشغل أذهان العاشقين للغتهم العربية، الذين يراودهم الخوف من أن يأتي اليوم الذي نبحث فيه عن الفصحى فنجدها مشردة بين لهجات مختلفة.
إن بعض الأجيال الجديدة، لا يرى في تراجع اللغة العربية - أمام زحف لغات أخرى - خطرا يهدد كيان أمتنا بأكملها، ولا يحس بالمسؤولية تجاه مستقبلها القريب والبعيد، ومن ثم فإنه يندفع اندفاعا ملحوظا لإتقان لغة أجنبية يستشرف فيها المستقبل، وفي المقابل إهمال لغته، كتابة وتحدثا.
إنه تخوف يبثه الباحثون والمتخصصون حول اللغة العربية، حينما يرون أن الأجيال الجديدة تسعى جاهدة لأن تفهم وتقدر قواعد لغة أجنبية، والحرص على التحدث بها بطلاقة ونطق سليم، في الوقت الذي لا تعنيه فيه لغته، التي لا يتمكن حتى من صياغة جملة قصيرة من دون أخطاء فاضحة.
هذا التخوف يزداد حدة، في العصر الراهن الذي نعيشه، حيث المواقع الإلكترونية، والزحف التكنولوجي، الذي - للأسف - لم نأخذ بأسبابه، وانجرفنا خلف نتائجه، التي ربما تؤدي إلى التقليل من شأن لغتنا العربية.
إننا لا نتخوف من اللهجات المنتشرة في مختلف الأقطار العربية، على مستقبل اللغة العربية، لأنها في حقيقة الأمر نتيجة لعوامل طبيعية للتطور الذي أحدثه الزمن، والاحتكاك الذي نجم عن الفتوحات الإسلامية، ولكننا نتخوف من تلك اللهجات التي تستغني بشكل أو بآخر عن مفردات كثيرة عربية، وتستعيض عنها بمفردات أجنبية مأخوذة من لغات أخرى.
إننا نتخوف من عدم اكتراث الأجيال بها، والتساهل في كتابتها، وتسطيحها، إلى درجة أن الأخطاء الشائعة أصبحت هي القاعدة، حتى في وسائل الإعلام.
إن لغة الأمة هي عنوان ثقافتها وحضارتها، لذلك تعمل الأمم المتحضرة - جاهدة - من أجل المحافظة عليها والارتقاء بمستوياتها، ولقد تمكنت اللغة العربية، بتاريخها الطويل، وتراثها الأدبي والعلمي الضخم، من أن تصبح إحدى اللغات التي تكتب بها وثائق الأمم المتحدة، كما أنها - بفضل استمرارها وتطورها - أسهمت في خلق جماعات مستقرة في أنحاء الوطن العربي.
إضافة إلى أنها لغة الدين الذي تعتنقه الغالبية العظمى من أبناء الوطن، لذلك فقد اكتسبت قدسية في نفوس المتكلمين بها، جعلتهم أحرص الأمم على المحافظة عليها وصونها من كل لحن، أو خطأ قد يتسرب إلى أي من مستويات بنائها: الصوتي، والصرفي، والنحوي، والدلالي.