بعد 10 سنوات على مقتل الزعيم الليبي السابق معمر القذافي في خضم ثورة شعبية أطاحت بنظامه وتطورت إلى نزاع دام على السلطة وفوضى، لم تعرف ليبيا بعد استقرارا، وتجهد لبدء مسار ديموقراطي في ظل استمرار الانقسامات بين أطراف قوية مدعومة من قوى خارجية.
ويهدد انعدام الاستقرار الانتخابات الرئاسية المحددة في ديسمبر المقبل.
وقبل 10 سنوات، كشف مقاتلون مناهضون للقذافي مكان اختبائه في معقله في سرت في شمال البلاد، فاعتقلوه، قبل أن يعدم في اليوم نفسه ويعرض جثمانه أمام العامة.
وانتهى هكذا عهد استمر 42 عاما وساهم تدخل عسكري دولي بإشراف حلف شمال الأطلسي في الإطاحة بنظام القذافي الذي وصل إلى السلطة في انقلاب على الملكية التي كانت تحكم ليبيا.
وبعد سنوات من العنف غذته تدخلات أجنبية، لم تتحقق آمال الليبيين الذين انتفضوا، بحياة كريمة ودولة قانون.
وفي مارس الماضي، توصلت مفاوضات ليبية- ليبية برعاية الأمم المتحدة الى تشكيل حكومة انتقالية برئاسة عبدالحميد الدبيبة أوكلت إليها مهمة قيادة البلاد نحو الانتخابات. وحدد موعد لإجراء انتخابات رئاسية في 24 ديسمبر المقبل، على أن تليها انتخابات تشريعية في وقت لاحق.
ويقول الباحث هاميش كينير من مركز تحليل المخاطر العالمية Verisk Maplecroft لوكالة فرانس برس «تحسن الوضع بوضوح. وقف إطلاق النار الذي اتفق عليه لا يزال ساريا، وحكومة الوحدة الوطنية صامدة كحكومة ليبية وحيدة».
ويضيف: «إلا أن الاستقرار السياسي يزداد هشاشة. سنعرف خلال الأشهر الـ 6 المقبلة ما إذا كانت فترة الهدوء التي تلت وقف إطلاق النار فرصة للفصائل المسلحة لتضميد جراحها أو تقدما حقيقيا نحو حل سياسي».
الافتقار إلى التجربة السياسية
من جهته، يقول المحلل السياسي الليبي محمود خلف الله: «لا أعتقد أن الانتخابات المقبلة وحدها ستكون سببا في تقديم حل نهائي للأزمة الليبية، خصوصا أننا نفتقر الى التجربة السياسية، والبلاد لا تزال في طريق طويل من التغيير على المستويين الاجتماعي والسياسي».
ويضيف أن الليبيين بالتالي، لا يزالون يحتاجون إلى «تجارب أخرى ومخاض سياسي جديد مستقبلا، حتى يصلوا إلى مرحلة النضج الكافي في اختياراتهم ومن يمثلهم في النظام السياسي الذي يرغبون به».
ويرى أن الأمور التي يجب أن تتحقق هي «توقف التدخلات الأجنبية السلبية في شؤون ليبيا الداخلية، ونضج الناخب الليبي في اختيار من يمثله بعيدا عن القبلية والمناطقية، وصولا إلى قبول جميع الأطراف السياسية نتائج صندوق الاقتراع».
لكن الانقسامات لا تزال على أشدها، بدليل الجدل الذي حصل أخيرا حول نشر قانون الانتخابات الرئاسية الذي فصل بشكل واضح على قياس المشير خليفة حفتر، القائد العسكري النافذ في الشرق.
فقد أقر البرلمان الذي يتخذ من طبرق في الشرق مقرا، القانون الذي رفضه المجلس الأعلى للدولة الذي يقوم مقام مجلس الشيوخ ويتخذ من طرابلس (غرب) مقرا.
وثمة عداوة شديدة في أجزاء واسعة من الغرب ضد حفتر الذي شن معركة عنيفة في محاولة للسيطرة على العاصمة الليبية بين أبريل 2019 ويونيو 2020. ولا تزال صوره التي طليت عليها إشارات حمراء معلقة على مبان رسمية عدة في طرابلس.
ويقول كينير: «إذا جرت الانتخابات من دون دعم أكبر من الأطراف السياسية في الغرب، قد تؤدي الى نشوء حكومتين جديدتين متنافستين في ليبيا».
ويضيف: «ستكون المخاطر أكبر إذا فاز خليفة حفتر، لأنه رمز سلبي للفصائل المسلحة التي دافعت عن طرابلس خلال هجومه الذي لم يحقق مبتغاه».
«حياة أفضل»
بالنسبة إلى المجتمع الدولي، الأولوية هي لإجراء الانتخابات، رغم العراقيل التي تعترض المسار السياسي. ويقول ديبلوماسي أوروبي في طرابلس: «نحن مدركون بأن تجاوزات حصلت، وفساد، لكننا لا نزال نعتقد أن الحل يكمن في إجراء الانتخابات».
ويرى المحلل السياسي والأكاديمي الليبي أحمد الرشراش أن الشعب الليبي «كان يتطلع إلى حياة أفضل عقب نهاية عهد القذافي، لكن للأسف الشديد حدثت خيبة أمل ودخلت البلاد في حروب مستمرة ومعاناة في المعيشة وتردي الخدمات».
ويضيف: «يتطلع الليبيون عبر الانتخابات إلى حياة أفضل واستقرار سياسي وأمني، ولا نريد تأجيلها».
ويقول عصام الماجري الذي يقطن طرابلس إن 10 سنوات من تدهور الوضع «أثرت على حياة الليبيين سواء من الجانب النفسي أو الجانب الاقتصادي».
ويقول عبدالفتاح بالنور (40 عاما)، وهو من سكان طرابلس أيضا: «نعيش حاليا صراعات ناجمة عن فشل في إدارة الأزمات وإدارة التغيير»، مضيفا: «عدم وجود مؤسسات وعقول تدير البلاد، إلى جانب عدم إدراك النخب الحاكمة بأن المراحل الانتقالية هي أخطر مراحل تمر بها ليبيا، وتحول الصراع من سياسي إلى عسكري، يجعلنا ندور في حلقة مفرغة».
وفي بنغازي التي انطلقت منها الاحتجاجات ضد القذافي، يعتبر المواطن فرج نجيب (27 سنة) «الانتخابات المرتقبة بارقة أمل لانتشال الليبيين الذين بات معظمهم تحت خط الفقر».
ويقول الماجري إنه على الرغم من الانتقادات للعملية السياسية «أشعر الآن بالحرية أكثر»، مضيفا أن «أي ثورة في العالم تفرز نتائج غير مقبولة، لكن في النهاية نأمل أن يعم الاستقرار كامل ليبيا».