العيب في اللغة هو الوصمة والنقيصة والشائبة والتصرف الخطأ، الذي يلام عليه المرء لوما شديدا، وهذه الصفات التي ذكرتها صفات ممقوتة في مجتمعنا والمجتمعات العربية حتى وقت قريب، وكنت قد قلت لكم في هذه الزاوية منذ فترة إن الصدق في هذه الأيام مات أو كاد يموت، ولم يعد له لزمة عند كثير من الناس، وها نحن اليوم نرى رديف ذلك، فكلمة عيب صارت غريبة قلما نسمعها هذه الأيام، وأوشكت أن تموت أيضا وهي تحتضر، حالها حال الصدق، بعد أن كان لهذه الكلمة شنة ورنة وشأن عظيم عند الناس، وهكذا القيم والأخلاق تتساقط وتتلاشى شيئا فشيئا، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وفي الماضي غير البعيد كنا كثيرا ما نسمع عبارة عيب يا ولد وعيب يا بنت من الأب والأم والخال والعم والأخ الأكبر والجار وكبار السن فنخاف ونرتدع.
أما اليوم فبالكاد نسمعها وإذا سمعناها نستغرب من سماعها، وكأن دابرها انقطع، والحق ان هذه الكلمة (عيب) أشبه ما تكون بالشجرة التي يبست أغصانها وجفت لقلة الماء والإهمال المتعمد، أتذكر تماما أنا كنا نحسب لهذه الكلمة ألف حساب، ولا نريد سماعها بل نستحيي ونخجل إذا قيلت لنا، وإذا قالها لنا أحد طأطأنا رؤوسنا وانزوينا ووجمنا لها، لذلك نحاول جاهدين ألا نكرر هذا الخطأ الذي فعلناه حتى لا نسمع هذه الكلمة الجارحة بالنسبة لنا.
أما اليوم فقد تبدل الحال رأسا على عقب، فنجد الأنوف شامخة عند سماعها، وكأنها مديح وثناء فالبعض صار يتباهى بها، حتى ان كثيرا من الناس يفعلون العيب بلا خوف ولا تردد، وكأن العيب صار مباحا في هذا الزمن الأغبر، علما بأن هذه الكلمة تربت عليها أجيال وأجيال، فكانت من أساسيات التربية وضروريات الحياة الصالحة، والنشأة السوية، نعرف من خلالها ما يجوز وما لا يجوز، ونفهم الخطأ من الصح، فنسير في الطريق المستقيم، ونكبر على الأخلاق الحميدة، ونربي أبناءنا على ذلك، أمت وقد فقدنا قيمنا وثوابتنا وعاداتنا وتقاليدنا فلم يعد لكلمة عيب أي تأثير على أنفسنا، وسرنا في غينا إلى ما لا نهاية، وإذا قلت لأحد ان ما تفعله عيب غضب منك وانتفخت أوداجه وكأنك تسبه، وبما أن الحياء شعبة من شعب الإيمان فمن فقد الحياء فقد الإيمان، ومن فقد الإيمان فقد الحياء، وإذا أصبحت كلمة عيب أمرا لا غضاضة فيه فبطن الأرض خير من ظاهرها، وعلى الدنيا السلام، ولله در أبوتمام حيث يقول:
يعيش المرء ما استحيا بخير
ويبقى العود ما بقي اللحاءُ
فلا والله ما في العيش خيرٌ
ولا الدنيا إذا ذهب الحياءُ
إذا لم تخشَ عاقبة الليالي
ولم تستحي فافعل ما تشاءُ
فمتى نعود إلى قيمنا وثوابتنا وأخلاق آبائنا وأجدادنا، ومتى نقول للعيب عيبا؟ وماذا تخبئ لنا الأيام، وهل ما خفي أعظم؟ هذا فاللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه، هذا، ودمتم سالمين.