.. ومن خلال حرصي على اللغة العربية الحديثة، قمت بتقديم ونشر العديد من الأبحاث التي تدور في فلك المحافظة عليها، وكشف الأخطار التي تواجهها، وذلك إسهاما مني في الدفاع عن هذه اللغة التي أنزل الله بها القرآن.
ومن ثم فقد رصدت في بحث لي عنوانه «اللهجات وأثرها على اللغة العربية»، أهم التغيرات التي طرأت على بنية اللغة العربية، في مستوياتها المختلفة، بتأثير اللهجة العربية، قديما وحديثا سواء في الاستخدام الإبداعي أو النفعي لها.
إن المعجم العربي قدم بعض المرادفات لمصطلح (لهجة)، يدور معظمها في نطاق دلالات: اللسان، أو طرف اللسان، أو جرس الكلام، أو لغة الإنسان وطريقته في الأداء.
فاللهجات الحديثة في الوطن العربي، تطورت وتشعبت نتيجة للفتوحات الإسلامية، كما أن دراسة اللهجات العربية القديمة لم تنشأ بمعزل عن لغة القرآن الكريم.
إن المتصفح لكتب اللغة العربية بنحوها القديم يشهد بوضوح أثر اللهجات العربية القديمة على بنية الفصحى، حيث إن هناك الكثير من الشواهد والأمثلة التي رويت بأكثر من رواية، ليجد الباحثون فيها تفسيرا وتعليلا لما لمسوه مخالفا للقواعد والقياس.
كما يلاحظ في الأقطار العربية نطق بعض الأصوات في اللهجات المحلية بطريقة تختلف عنها في الأقطار الأخرى مثل إبدال الكويتيين صوت الجيم ياء دجاجة (دياية) كما يبدل الإماراتيون صوت الكاف شينا مثل سمك (سمش)، وهكذا.
إنني أتابع - بفضل تخصصي الاكاديمي في اللغة العربية - ما آلت إليه الأمور في الساحة، على المستويات الإعلامية، والكتابات الأدبية المنشور على المواقع الإلكترونية، والأخرى المنشورة ورقيا من بعض الشباب، وكذلك على المستوى الصحافي الورقي والإلكتروني، ومستوى اللهجات العامية التي يتحدث بها الشباب مع بعضهم البعض، لأجد أن اللغة العربية تواجه تحديا غير مسبوق في قدرتها على الصمود، أمام هذا الألم المفرط الذي نشهده حيال وجودها.
ولكن الرهان الأهم - الذي نثق به - في صمود اللغة العربية الفصحى أمام أي تخريب في بنيتها، هو القرآن الكريم، الذي سيحافظ عليها أبد الآبدين، وهو الذي سيجعلها تظل لغة عالمية لا يمكن الاستغناء عنها بأي حال من الأحوال.
وهناك رهان آخر مهم سيحافظ على بقاء اللغة العربية الفصحى وتألقها، هو حرص معظم الدول العربية والإسلامية على استمرار وسلامة اللغة العربية من خلال العمل الأكاديمي في الجامعات، والمؤسسات التعليمية والاجتماعية والثقافية - العامة والخاصة - التي تسعى جاهدة في الوقوف إلى جانب لغتنا العربية، وخير مثال على ذلك، في الكويت مؤسسة جائزة البابطين للإبداع الشعري، وجائزة سعاد الصباح، وغيرهما، وفي الشقيقة المملكة العربية السعودية نلمس بكل وضوح جهود مركز الملك عبدالله لخدمة اللغة العربية ومقره الرياض، والكثير من المؤسسات الأخرى التي لا يتسع المجال لذكرها، بالإضافة إلى أن هناك باحثين ودارسين ومتخصصين لديهم الشغف الحقيقي في الدفاع عن اللغة العربية.