وبعد غياب دام 8 سنوات عاد إلينا الفنان البطل خالد البريكي، وبقوة جبارة أثرت كثيرا بنا وبنفوسنا في المسلسل الدرامي «كف ودفوف»، ذلك ومن خلال تجسيده لشخصية مؤثرة اجتماعيا وحياتيا وثقافيا أيضا، ألا وهي شخصية «ثنيان»، تلك الشخصية ذات القيمة العظيمة التي ابهرنا بها بل امتعنا من خلال تجسيده لها بدفء توهج إحساسه الذي كان اكثر من رائع، شخصية لا تتضمن أبعادا تتعلق بالكم، بل أبعاد تتعلق بترك بصمة ذهبية لامعة، ستحفر ومن دون أدنى شك في ذاكرة محبيه ومتابعيه، شخصية رغم قلتها وندرتها في وقتنا الحالي، إلا انها أكثر ما نحتاجه في زمننا هذا وفي كل زمان، لنسمو بأرواحنا.
فلقد جمع الفنان خالد البريكي، بين الموهبة والإبداع المتكامل، إبداع أتى بشيء لا نظير له فيه، جودة وإتقان مفرد لم يسبق له مثيل، لدرجة أنه أشعرنا وكأن هذه الشخصية جزء من مكونات حياته ومخيلته ومشاعره، وعبره تحلق بإحساسه لتبحث عن الحقيقة، «ثنيان» كان أيقونة للرجولة الحقة التي يستعاض بها، «ثنيان» ذو نخوة وشهامة وصاحب ضمير حي، صاحب مبادئ وقيم إنسانية واجتماعية، لذلك لم تؤثر عليه المصالح لأنه صاحب عقل وفكر نير، يدافع عن مبادئه ولديه الاستعداد بأن يضحي من أجلها ولا ينحاز إلا لها، أثبت جدارته كفنان من الدرجة الأولى، جدارة ليس من السهل تحديدها، تجاوز الطرق التقليدية وقام بتغيير أفكاره وأساليبه بصورة غير اعتيادية.
فعلا كانت شخصية مميزة، تهدف لتوصيل رسالة سامية هادفة، رسالة لتعزيز الأخلاق والقيم الحميدة والسجايا الكريمة، ونشر الفضيلة والسلوك الحسن، والتشجيع على السعي في الطريق الصحيح والمبادرات البناءة..إلخ، أي كان نموذجا يحتذى في الضمير، الصدق، زكاة الخلقة، وثمرة المروءة.
كان رجلا بالرغم من بساطة مستواه المعيشي، إلا انه لم ولن ينجرف وراء هذا أو ذاك، واستطاع أن يفرض هيبته واحترامه بكل عزة وشموخ، وكان أيضا الأخ الحنون والعطوف، الأخ الذي يحرص حتى على انتقاء ألفاظه وكلماته بدقة شديدة وبصورة حكيمة مع أهله، وكثيرا ما كان يسيطر حتى على اعصابه ويكتم غيظه وغضبه من بعض المفردات الجارحة التي يتلقاها أحيانا من البعض منهم.
ولن يكون تابعا في قراراته إلى الغير، ذلك لأنه يتمتع بقدر كبير من الثقة وتقدير الذات، ما جعله صحافيا مثاليا لا تشوبه شائبة، كان قانون حق الاطلاع يحارب الفساد والضياع من خلال قلمه الحر ورأيه الجريء، بعيدا عن القيود والتبعات الثقيلة.
«ثنيان» هو الأخ الصالح، هو الأب الرفيق رقيق القلب، هو الصديق الوفي، يحتوي من هم حوله، يحرص على ان يتواجد معهم ويفضل ان يكون قريبا منهم خوفا عليهم، متسلحا بالعاطفة الجياشة تجاههم، معتبرا نفسه سر قوتهم ومصدر ثقتهم، يدعمهم ويرشدهم، يوجه نصائحه لهم، وكثيرا ما يشعر ما بداخلهم، وبشكل عام وفي جميع الاحوال لا يتردد لوهلة واحدة بعدم مساعدتهم، نقي يتمنى الخير لغيره قبل أن يتمناه لنفسه، واضح وصريح ولا يعمل على إخفاء رأيه او ما يمليه عليه ضميره.
«ثنيان» استطاع ان يتغلغل في عقولنا قبل قلوبنا، شخصية نبحث عنها لروعة خصالها، ولن نجدها إلا في عميق ذكرياتنا.