طارق عرابي
أكد خبراء اقتصاديون أنه لا يمكن تحقيق أي إصلاح بأي مجال ما لم يكن هناك إصلاح سياسي، وأنه متى ما صلحت البيئة السياسية صلح حال باقي القطاعات.
وأضافوا خلال ندوة بعنوان: «الإصلاح السياسي والاقتصادي المفقود»، نظمتها الجمعية الاقتصادية الكويتية مساء أمس الأول، أن كل يوم تتأخر فيه عملية الإصلاح تكون كلفته على الكويت عالية جدا، خصوصا على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، مؤكدين أنه ما لم يحدث الاصلاح الآن فإن الكويت ينتظرها مستقبل مجهول.
وأشاروا إلى ان الاصلاح الاقتصادي المنشود لا يمكن أن يكون من خلال فرض الضرائب أو الدين العام، فهي ليست حلولا سحرية لأزمة الكويت الاقتصادية، بدليل ان هناك دولا عربية فرضت ضرائب على مواطنيها دون أن تحقق أي تقدم يذكر في جانب الاصلاح الاقتصادي، خاصة أن مردود الضرائب المتوقع في الكويت لن يتجاوز 550 مليون دينار، في حين أن العجوزات تصل إلى مليارات الدنانير.. وفيما يلي تفاصيل الندوة:
صندوق الأجيال
قال عضو مجلس إدارة الجمعية الاقتصادية محمد الجوعان، إنه تم إعداد دراسة داخل الجمعية الاقتصادية بمشاركة عدد من الاكاديميين من جامعة الكويت، وخلصت هذه الدراسة إلى انه بحلول عام 2045 وفي حال استمرار النهج الاقتصادي على ما هو عليه دون تغيير، فإن أصول الصندوق السيادي الكويتي (احتياطي الأجيال القادمة) البالغة 700 مليار دولار، ستصبح (لا شيء)، وذلك لتوجيه تلك الأموال لسد العجوزات المالية بالميزانية العامة للدولة.
وأشار الجوعان إلى أن الازمة الاقتصادية في الكويت سببها سياسي بالدرجة الاولى، وأن الرقابة هي المحور الرئيسي لتصحيح الاختلالات الاقتصادية التي لايزال هناك متسع من الأمل لتصحيحها في ظل الأوضاع الحالية رغم حالة اليأس التي انتابت البعض.
وأضاف ان الحكومة عادة ما ترفع سقف التوقعات لدى المواطنين ثم تتركهم ليصطدموا بالواقع، مستشهدا بتعامل الحكومة مع جائحة كورونا والتخبط الذي شهدته البلاد على كل المستويات، حتى انها كانت من أكثر الدول إغلاقا وتأثرا بالأزمة، مؤكدا في الوقت ذاته على أن سياسة «إبر البنج» التي تتبعها الحكومة مع المواطنين لم تعد تجدي نفعا.
مليارات مهدرة
فيما يتعلق بالإصلاحات الاقتصادية المنشودة، قال الجوعان إن الحديث عنها يأتي دون جدوى، خاصة إذا ما عرفنا أنه ومنذ العام 2013 حتى عام 2021 تم حرق اكثر من 63 مليار دينار من الميزانية على هيئة هبات وسد عجوزات، أي بمعدل 750 مليون دينار شهريا، وهو ما يتنافى مع مبدأ الترشيد.
وبين أن أدراج الحكومة متخمة بالإصلاحات وبعضها بات غير صالح بسبب تقادمه زمنيا، لذا فإن الحل الأساسي يكمن في المصارحة بين الحكومة والمواطنين لا أن يتم حل المشكلات من طرف واحد.
وقال ان الضرائب والدين العام ليست الحل السحري لأزمة الكويت الاقتصادية، حيث يكون مقترح فرض الضريبة بالمرتبة الخامسة أو السادسة، ولنا في الدول التي فرضت ضرائب على مواطنيها أكبر دليل على عدم نجاح هذه الحلول، وكما هو معروف فإن مردود الضرائب المتوقع بالكويت لن يتجاوز 550 مليون دينار، فيما يصل عجز الميزانية لمليارات الدنانير.
بدوره، أشار عضو مجلس الأمة السابق صالح الملا إلى أنه لا يمكن ان يرتجى أي إصلاح في أي مجال ما لم يكن هناك إصلاح سياسي، فكل القطاعات مرتبطة بالساسة، فمن يشرع القوانين هم الساسة ومن يضع القياديين هم الساسة ومن يقيم هم الساسة، فمتى ما صلحت البيئة السياسية صلح حال باقي القطاعات.
المحرك الرئيسي للاقتصاد
من جانبه، قال رئيس قسم الاقتصاد بكلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت د.انور الشريعان، إن مشكلة الحكومة في الكويت تكمن في أنها المحرك الرئيسي للاقتصاد، وذلك منذ ظهور النفط وتحول الدولة من الاعتماد على اللؤلؤ إلى الاعتماد على النفط، حيث واصلت الحكومة بالاعتماد على النفط كمورد أساسي، فتنتعش الحالة الاقتصادية مع ارتفاع أسعاره، وتنكمش مع انخفاضها، بدليل انه لو ارتفعت اسعار النفط إلى مستوى 95 دولارا للبرميل، فإن الحديث عن الإصلاح الاقتصادي سيكون بلا قيمة وستتبخر كل خطط الإصلاح.
وتطرق الشريعان إلى موضوع الضرائب، مبينا أن فرض ضريبة القيمة المضافة بواقع 5% على كل المواطنين يعتبر مساواة للجميع لكنه لا يعبر عن العدالة، فالمواطن الذي يبلغ دخله 1000 دينار سيتأثر بالضريبة بخلاف المواطن الذي يصل دخله إلى 5000 دينار، مضيفا أن الحديث عن فرض ضرائب لم تواكبه دراسة حكومية عن انعكاساتها على مستويات الأسعار.
القطاع الخاص
عند حديثه عن الإصلاح الاقتصادي، قال الشريعان انه لا يمكن الحديث عنه في ظل سيطرة الحكومة المستمرة من خمسينيات القرن الماضي وحتى يومنا هذا على تقديم الخدمات في الكويت، الامر الذي انعكس على سوء الخدمات المقدمة، وفي الوقت نفسه، فإن الكويت مازالت تفتقد وجود قطاع خاص حقيقي قادر على تطبيق مفهوم الخصخصة. وأكد أن شركات القطاع الخاص مازالت غير قادرة على منافسة الشركات الخارجية، بدليل أنها تطالب دائما بحماية الحكومة، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة رفع قدرة القطاع الخاص الكويتي وزيادة كفاءته، خاصة أنه لا يمكن الاستمرار في نفس الوضع الاقتصادي الحالي الذي تسيطر فيه الحكومة على تقديم الخدمات.
وبين الشريعان ان إدارة الأداء الاقتصادي تعاني من مشكلة يجب تجاوزها من خلال خلق فلسفة اقتصادية جديدة وترشيد الإنفاق في العديد من بنود الميزانية على رأسها الدعومات، خاصة في ظل وجود هدر ملياري كبير في الميزانية، مبينا أن تقديم الدعم المباشر للمواطنين افضل من تقديم الدعم غير المباشر، كونه ينقذ الميزانية من الهدر ويترك للمواطن حرية اختيار ما يناسبه من السوق مباشرة.