نزل السودانيون الى الشوارع امس للمطالبة بحكومة مدنية وبـ «إسقاط حكم العسكر» في «مليونية 30 أكتوبر»، بعد 6 أيام من انقلاب قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان على شركائه المدنيين في المؤسسات السياسية لمرحلة انتقالية كان يفترض أن تتيح للسودان التحول الى الديموقراطية عام 2023 بعد 30 عاما من حكم عمر البشير.
ورغم القمع الدامي للاحتجاجات خلال الأيام الأخيرة، هتف المتظاهرون في جميع أحياء العاصمة السودانية الخرطوم أمس: «المدنية خيارنا»، فيما قتل متظاهرين على الأقل حسب ما اعلنت لجنة الأطباء المركزية بالخرطوم.
ورددوا مجددا العديد من شعارات انتفاضتهم التي أسقطت البشير في أبريل 2019 مثل «حرية، سلام، عدالة» و«ثوار، أحرار حنكمل المشوار» فيما رفع بعضهم صور رئيس الوزراء المقال عبدالله حمدوك الذي وضع قيد الإقامة الجبرية في منزله بالخرطوم.
وذكر شهود ومراسلو وكالة فرانس برس أن التظاهرات بدأت بعيد ظهر امس في ضاحية أم درمان بشمال غرب الخرطوم وامتدت سريعا إلى جميع أحياء الخرطوم، كما انطلقت تظاهرات في مدينة بورتسودان شرق السودان على البحر الأحمر.
وقال هيثم الطيب أحد المتظاهرين في جنوب الخرطوم: «نريد حكما مدنيا وهذه المرة لن نقبل تقاسم السلطة مع العسكريين. ينبغي أن تكون مدنية 100%». وأكدت الناشطة من أجل الديموقراطية تهاني عباس لفرانس برس ان «العسكريين لن يحكمونا، هذه هي رسالتنا»، مشددة على أن هذه التظاهرة «المليونية» ليست «إلا خطوة أولى».
وفي شرق الخرطوم، أشعل المتظاهرون إطارات سيارات ورفعوا لافتات كتب عليها «الردة مستحيلة»، وهو الشعار الأساسي لهذه التعبئة التي يريد أنصار الحكم المدني التأكيد من خلالها أنهم لن يقبلوا بعودة حكم عسكري مماثل لنظام البشير.
ومنذ الصباح قبيل انطلاق التظاهرات قطعت خطوط الهواتف في الخرطوم مع إمكان الاتصال من الخارج فقط بالهواتف السودانية. كذلك، كانت شبكة الإنترنت مقطوعة.
وانتشرت قوات الأمن بكثافة في شوارع الخرطوم وأغلقت الجسور المقامة على النيل التي تربط مناطق الخرطوم ببعضها. وأقامت هذه القوات أيضا نقاط مراقبة في الشوارع الرئيسية، حيث تقوم بتفتيش عشوائي للمارة والسيارات. كما فرضت طوقا أمنيا حول منطقة وسط الخرطوم بمحيط القصر الرئاسي ومقر مجلس الوزراء.
ودعا تجمع المهنيين وقوى الحرية والتغيير، فضلا عن نقابات عدة دعت إلى المشاركة في هذه التظاهرات، عبر منشورات على مواقع التواصل، تحت اسم «مليونية 30 أكتوبر»، كما خطت بعض الكتابات على الجدران في الخرطوم داعية إلى المشاركة، بعد أيام من الدعوة لإضراب وعصيان شامل في العاصمة السودانية.
في هذه الأثناء، نفى القائد العام للجيش السوداني عبدالفتاح البرهان أن تكون كافة الإجراءات الاستثنائية التي اتخذت الاثنين الماضي «انقلابية».
وأكد البرهان في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية امس، ان هذه الإجراءات أتت لـ «تصحيح مسار» الحكم في البلاد وإعادة إحياء أهداف الثورة.
وأضاف: «من يظن أن هذا انقلاب فهو غير صادق، لأننا موجودون بالسلطة، وإذا كان هناك انقلاب كنا لنتغير نحن أيضا، لكن ما حدث هو تصحيح للمسار والعملية الانتقالية».
وقال البرهان ان حكومة عبدالله حمدوك عجزت عن معالجة الأزمات في البلاد، لافتا إلى أن إبعاد رئيس الحكومة السابق عن منزله «كان بسبب وجود معلومات حول استهدافه». واعتبر أن «الحكومة كان فيها خلل كبير نظرا إلى الخريطة السياسية والاجتماعية، حيث عجزت الأحزاب المكونة للائتلاف خلال هذه الفترة الانتقالية في التوافق على أي من موضوعات الساعة».
وأكد أن حكومة حمدوك فشلت في التوافق على قيام المجلس التشريعي وقيام حكام الولايات، وفشلت حتى في احتواء القوى السياسية.
وتعالت الأصوات الدولية عشية الاحتجاجات محذرة السلطات العسكرية من استخدام العنف ضد المتظاهرين.
فقد طالبت الولايات المتحدة قادة الانقلاب العسكري في السودان بالامتناع عن استخدام العنف ضد المتظاهرين السلميين عشية المظاهرات وقالت إن رد فعل الجيش سيكون اختبارا لنواياه.
وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأميركية للصحافيين طالبا عدم نشر اسمه: «سيظهر من التعامل مع الاحتجاجات مؤشر حقيقي على نوايا الجيش». وعزز وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن هذه الرسالة على منشور على تويتر قائلا: «يجب على قوات الأمن السودانية احترام حقوق الإنسان وأي عنف ضد المتظاهرين السلميين غير مقبول». ودعا الاتحاد الأوروبي جميع القوات العسكرية والشرطة السودانية الى ضبط النفس وعدم استخدام العنف ضد المتظاهرين. وقال الممثل الأعلى للسياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد جوزيب بوريل في بيان ان «ندعو جميع القوات العسكرية والشرطة الى ضبط النفس ومعاملة المتظاهرين والصحافيين بالاحترام الواجب».
وأكد ان العودة الفورية لمسار الانتقال إلى الديموقراطية بقيادة المدنيين يظل الطريق الوحيد للحرية والسلام والعدالة لجميع السودانيين.
من جهتها، حذرت منظمة العفو الدولية «القادة العسكريين من الحسابات الخاطئة»، مؤكدة أن «العالم يتابعهم ولن يسمح بمزيد من الدماء».
وحضت الولايات المتحدة الجيش السوداني على عدم قمع التظاهرات.