من الأمور التي أرى فيها تميزا جعل من الكويت صورة مشرقة على مستوى المنطقة، تلك الانطلاقة التي عبرت بها المرأة الكويتية كل المستويات الإبداعية والثقافية والعلمية والأكاديمية، ومن ثم حصولها على مكانة بارزة وأصيلة على الخارطة العربية والعالمية. أقول هذا ليس بصفتي امرأة، ولكني أقوله من باب إحقاق الحق، فالمرأة في الكويت تقف جنبا إلى جنب مع الرجل، وتشاركه في تسيير عجلة الحياة، بما فيها من نهضة وتفوق ونبوغ.
وإنه من دواعي سعادتي أن أتحدث عن وجه متألق من تلك الوجوه التي ساهمت في نهضة الكويت الإبداعية خلال الفترة القليلة الماضية، خصوصا مع بداية عام 2000، هذا الوجه الكويتي المألوف تمثله الكاتبة باسمة العنزي، التي تبدع في صمت، وتساهم في التنمية الثقافية الكويتية - كذلك في صمت - وتتألق في الفضاء الإبداعي، متحيزة للإنسان في كل حالاته. وتمثل بلدها من خلال ما تبدعه وتنشره من كتب وروايات وقصص قصيرة، كي تكرمها الكويت بإهدائها جائزة الدولة لدورتين في عامي 2007 و2013.
فكلما سمحت لي الظروف، وقرأت رواية أو مجموعة قصصية لباسمة، زاد في يقيني التأكيد على أن باسمة تكتب بحرفية، لدرجة أنها تقوم بنحت مفرداتها وعباراتها، بدقة شديدة، وأنها تبذل جهدا لا يستهان به من أجل الوصف والتدقيق في شخصيات أعمالها الأدبية، فهي لا ترضى إلا بالمتميز، الذي يترك انطباعا حسنا لدى القارئ.
وروايتها «حذاء أسود على الرصيف»، الصادرة عن دار العين للنشر، تكشف ميول باسمة في انتقاء مفرداتها وتركيب عباراتها وجملها، وصياغة حبكتها الروائية، وتعلقها بالوصف الدقيق للأشياء، لتضع القارئ في موقف المشارك لتلك الأحداث التي يراها تتسارع أمامه، كأنها العمر.
إن الرواية تتحدث عن عالم المال والأعمال، وما يحيط به من بزخ، واستعراض للقدرات الشرائية، فيما نجد في اتجاه آخر المهمشين، والمطحونين، الذين هم «وظيفتهم حماية المكان الذي لا ينتمون إليه»، وبالتالي الدخول في مسألة تخفيض العمالة في شركة كبيرة، وما يترتب عليها من انكسارات.
ورسمت باسمة لشخوص رواياتها صورا، ربما تقترب من تلك الصور التي نراها في عالمنا، وهي صور منحوتة بعناية، نكاد نراها ونتقابل معها وجها لوجه، مثل فايز - نجم الصفحات الاقتصادية - الذي يتبوأ مكانة كبيرة في الشركة، وجهاد تلك الفتاة الفلسطينية النابلسية وطموحاتها وأحلامها، وسليمان الثري الذي لا يفكر إلا في ملذاته واقتفاء أثر الشكليات.
كما تبوح باسمة في روايتها بآلام الذين تخلت عنهم الشركة في سياق تقليص المصروفات.
إن باسمة تنقلنا بشكل مباشر - ومن دون مواربة - إلى هذا العالم الذي لا نعرف عنه إلا القليل، مما يؤكد لنا أنها لا تكتب إلا بإخلاص، ولا تنحت حروف كلماتها إلا بتوظيف متقن وجميل.
صراحة، لقد عشت أجواء الرواية التي أعطت لها باسمة الكثير من الجهد لتظهر بصورة معبرة عن الواقع، مع جنوحها إلى الكثير من الخيال.