في السابق كان مجتمعنا ووطننا صمام أمامنا، كان محافظا على قيمنا ومبادئنا وأخلاقنا، يهتم ويدقق على الصغيرة قبل الكبيرة ليحمينا من الضياع، وذلك باستحضار عمق حبنا وثقتنا القوية به، فكم كان تربويا هو، دائما ما يبحث عن المقاصد الأخلاقية وتجلياتها، لتجذيرها في نفوسنا ونفوس أبنائنا.
وهو بمثابة اليد الحانية بالنسبة لنا، الذي اعتاد أن يسندنا ويحتوينا كلما طرق اليأس والإحباط أبوابنا، صاغيا بقلب واع لنا ولأحلامنا وآمالنا، ودائما ما يشجعنا على المضي قدما في سبيل تحقيقها، وطن ذو قوانين منصفة عادة ما تقر بكرامة مواطنيه، وتدعم حقوقهم اقتصاديا، اجتماعيا، سياسيا، ثقافيا وفنيا.. إلخ.
هي قوانين بمنزلة شهادة موثقة يصعب تزويرها أو التلاعب بها، ومن هذا المنطلق استطاع أن يكون نسيجا مجتمعيا كويتيا مترابطا متماسكا، عزز بها المعنى الحقيقي للوطنية البحتة التي أصبحنا نفتقدها في الأغلبية الآن، تلك الأغلبية الذي أصبح اسم الكويت آخر همها، بعكس أولئك الذين كانوا في السابق، الذين كانت المروءة والشهامة تملؤهم، بعيدين عن المخاطر الناتجة من فساد الضمائر بحكم إخلاصهم وصدقهم، هذا بخلاف إن كل ما يتعلق آنذاك له معنى وقيمة، وكانت نفوس أهله أيضا عظيمة.
عظيمة بكل شخوصها ووسوم هيبتها وبهائها، عظيمة في حبها وعشقها الخالص لوطنها، عظيمة بحرصها على تضحيتها في سبيل حريته ورفع اسمه في الأعالي وحفظ كرامته، وفي سبيل عدالته الاجتماعية لتحريره من الفساد والخراب الذي يخدم مصلحة من يريدون السوء والشر له، ولم يهمهم اسمه! عظيمة لأنها لم ترخصه أو تتنازل عنه، مهما كانت المغريات المقدمة لها للوقوف حجر عثرة أمام مصالحة كبيرة، كون أنه لا هدف لها سوى الاجتهاد دون مقابل لرفع نهضته، ليواكب الرقي والازدهار كغيره، فكيانه كان في المقام الأول بالنسبة لها، وعلى هكذا نحن تعودنا، إلى أن بدأ شيئا فشيئا يتداخل مع هذا النسيج النقي نسيج مشبوه دخيل عليه، نسيج يحمل نفوسا بشعة دنيئة لوثتنا وضيعتنا بخربشاتها وزيف وطنيتها، نفوسا أغرقتنا بكذب وعودها وعشمتنا، نفوسا راوغت إلى أن وصلت، خدعت إلى ان استفادت وحدها واستغلت، وباعت، ولوطنها وشعبها خذلت، نفوسا مسخت شخصيتها، وألقت في البحر مبادئها، فقط لكسب مصلحتها ومصلحة من معها، وقامت بتقزيم دلالته ليصبح مجرد أرض سبخة لا يكسوها سوى الرمل والتراب، فاضطربت تلك التصورات المبهجة التي كنا نأمل أن تتكلل بالتفرد المبهر لوطننا، افتقدناها وافتقدنا سابق مجتمعنا، الذي كنا فيه بالسابق نحارب خوارم المروءة بكل أشكالها من أعماق قلوبنا لأجله، ثم للأسف تشتتنا! ظللنا نفكر حائرين بين ما نسمعه وما نراه في جاري وقتنا، انحيازات، تعدد الانقسامات، تكتلات، فوضى اجتماعية واسعة النطاق غير مسبوقة أصبحت تجتاحنا، وهذا طبعا بدلا من التكاتف والتعاضد والتعديل، فمعظمهم ساروا في غوايتهم، وانصب تركيزهم على مظهرهم الخارجي هذا خاصة وهم يلتقطون تلك الصور التذكارية لأنفسهم، من أجل انتشارها في مواقع التواصل الاجتماعي! ليكشفوا لنا أكثر عن تفاصيل نفاقهم السياسي لخداعنا، لكنهم في الواقع هم لم يخدعوا سوى أنفسهم.
لذلك قال هنري كيسنغر: «90% من السياسيين يعطون للعشرة الباقية منهم السمعة السيئة»، كما قالت جين فوندا أيضا: «لكي تكون ثوريا عليك أن تكون إنسانا، ما يعني أن عليك أن تهتم بمن لا يملكون سلطة».
فليتهم يفرطون في حبهم وولائهم لوطنهم، ليتهم يتخلصون من كل الرؤى المصلحية البراغماتية، والتي عادة ما تربي الفرد على الطمع والأنانية، ليتهم يلتفتون لوهلة إليه ويسعون الى مصلحته، ليتهم وليتهم وليتهم..!