- شراء مطبعة بـ 880 ديناراً ودُشنت بصور الأمير الشيخ أحمد الجابر بمناسبة عيد جلوسه والفضل في جلبها لأحمد بشر الرومي
- كويتيات أنشأن كتاتيب للتدريس في وقت مبكر من تاريخ البلاد منهن المطوعة أمينة سالم والمطوعة بدرية العتيقي
- إنشاء مدرسة الكويت العربية في بومباي ثم مدرسة كراتشي سنة 1953 لتدريس أبناء التجار المقيمين هناك والذين يساعدون أصحاب السفن
- القيصريات زيّنت المنطقة التجارية التاسعة من سور الكويت وتعددت وتطورت إلى أن وصلنا إلى الشكل الحالي «المولات»
تستمر معنا حلقات الأوراق الكويتية بما فيها من معلومات عن كثير من الأمور المتعلقة ببلادنا. ونأمل أن نستمر في هذا السبيل حتى نستطيع استعراض أكبر قدر من نواحي تاريخ الكويت، وطبيعة مجتمعها، وتطور الحياة فيها منذ نشأتها. وفي هذه الحلقة:
1 - المطبعة الكويتية الأولى
2 - من جهود الكويتيات في التعليم
3 - من مدارس الكويت في الخارج
4 - القيصرية
5 - حول اللهجة الكويتية
وهذه هي أوراق هذه الحلقة بحسب الترتيب المذكور أعلاه:
1- المطبعة الكويتية الأولى
لم تكن في الكويت مطبعة منذ عصر النشأة إلى ما بعد سنة 1946. وكان الاحتياج الى المطبوعات بأنواعها يتزايد مع النشاط الحكومي والأهلي، مما يضطر الجهات المحتاجة الى مطبوعات من اي نوع كان الى طباعة ما تريد في خارج البلاد.
وفي اليوم الثامن من شهر نوفمبر لسنة 1946م كتب الأستاذ أحمد البشر الرومي في أوراقه الخاصة ما يلي:
«بحثت هذا اليوم أنا والأخ حمود المقهوي موضوع جلب مطبعة إلى الكويت. وقد اتفقنا على ان نسافر معا الى طهران لشراء مطبعة. وقررنا ان يكون السفر يوم الاثنين القادم (وكان هذا اللقاء في يوم الجمعة)، والكويت محتاجة الى مطبعة لطبع لوازم جميع الدوائر، ولوازم التجار».
وبدأ الاستعداد للرحلة كما تصف أوراق الأستاذ ثم بدأت السفرة الى عبادان في اليوم التاسع عشر من شهر نوفمبر للسنة التي ذكرناها، وذلك في الطريق الى طهران كما ورد سابقا. ولقد استمرت عملية البحث عن مطبعة تباع في البلدان المجاورة وحين تم التأكد من عدم توافر الطلب في طهران فقد انتقل البحث الى بغداد. وفي هذه الفترة قررت دائرة المعارف مشاركتهما في هذا العمل المهم لها ولغيرها من الدوائر، وتعهدت بتمويل الشراء. ولذلك وجدناه يكتب - في أوراقه الخاصة - في اليوم الثالث والعشرين من شهر يناير لسنة 1947م قائلا: «أرسل حمود المقهوي برقية من بغداد يطلب 1300 دينار، ويطلب سفري إليه بسرعة وقد أرسل إليّ مدير المعارف، وقال اذهب لاستخراج رخصة السفر، وبالفعل ذهبت الى الجهة المختصة، فقالوا لي إن كنت جاهزا وعازما عليه، فسوف نعطيك عصر هذا اليوم رخصة للسفر على سيارة من سيارات الشركة التي تقوم بنقل الركاب.
ولقد أكدت رغبتي وعدت الى مدير المعارف فوجدته قد قام بتحويل المبلغ المطلوب الى الأخ حمود، وحثني على السفر غدا».
وقد سافر الأستاذ - فعلا - في يوم 24 من شهر يناير لسنة 1947م.
والتقى الرجلان وتم شراء المطبعة بمبلغ 880 دينارا. وتم شحنها وفق ما ذكره تفصيلا في يومياته.
وفي شهر فبراير لسنة 1947م، بدأت المطبعة إنتاجها، وذلك بطبع صورة لأمير البلاد الأسبق الشيخ أحمد الجابر الصباح بمناسبة عيد جلوسه. ومنذ هذه المناسبة المهمة بدأت المطبعة التي صار اسمها «مطبعة المعارف» عملها لصالح كل من يتقدم إليها طالبا إنجاز مطبوعات يريدها. وظلت وحيدة فترة من الزمن ولكنها أدت المراد من جلبها وتشغيلها، وقد كان الفضل في ذلك لأحمد البشر الرومي وحمود عبدالعزيز المقهوي، ودائرة معارف الكويت فبهذا التعاون تم هذا الإنجاز.
2 - من جهود الكويتيات في التعليم
لم تتخلّف المرأة الكويتية عن القيام بواجبها تجاه بنات وطنها، وبخاصة في مجال التعليم، فأنشأ عدد منهن كتاتيب للتدريس في وقت مبكر من تاريخ الكويت حتى رُصدَتْ عشرة من الكتاتيب التي تدرس فيها البنات بهمّة كويتيات قمن بهذه المهنة الشريفة، وذلك في سنة 1935م.
أما بعد ذلك التاريخ فقد كانت كتاتيب البنات تتزايد حتى أمكن رصد 53 منها، وهي بالطبع ليست كل ما نشأ في الكويت، وفي الدراسة الموسوعية التي أعدتها لجنة كتابة تاريخ التعليم عندنا ونشرته وزارة التربية، ومؤسسة الكويت للتقدم العلمي، ومركز البحوث والدراسات الكويتية حديث طويل عن الكتاتيب التي كانت تعمل قبل وبعد قيام الحكومة بتبني النظام التعليمي الحديث. ومما جاء في الدراسة ذكر عدد من أسماء صاحبات الكتاتيب الكويتيات اللاتي اضطلعن بمسؤولية تعليم الفتيات في تلك الفترة البعيدة، فقدمت الدراسة 53 اسما باعتبارها مجرد نماذج لهذا النوع من الكتاتيب ليقين اللجنة بأن الموجود كان أكثر من ذلك.
وأرى هنا ان من الضرورة بمكان ان أشير الى ان لكل واحدة منهنَّ كُتَّبها الخاص، ومن أقدم العاملات في هذا المجال، كتابان يقعان في فريج الشاوي، ولذا فإن لي معرفة بأحوالهما، وقد يكون هناك ما هو أقدم منهما من كتاتيب البنات، إلا ان تحديد الوقت صعب لكني أعرف أن من سوف أذكرهما قديمتان في العمل جدا.
هاتان هما:
أ - المطوعة أمينة سالم، أو أمينة بنت سليم، وكان كتابها من أبرز كتاتيب البنات في جهة القبلة ومن أقدمها، وعندما كَبُرَتْ في السن توقفت عن التدريس، وأصبحت تقيم الموالد في مناسباتها، فهي تحتفل بالمولد النبوي وبالإسراء والمعراج، فيجتمع الناس لديها، وكانت محبوبة من أبناء الفريج يكنُّون لها مع الحب كل التقدير والاحترام، وأذكر أن الأطفال - وكنت أحدهم - يجتمعون للعب بالقرب من مقرها في المواسم التي تحييها بما يشبه الأعياد، وهي عادة درجنا عليها ما لبثت أن زالت كما زال الكثير من معالم تلك الأيام الجميلة.
ب - المطوعة الثانية هي بدرية العتيقي، وكتابها في الشارع الذي كنا نسكن فيه، وأنا أعتبر هذه المرأة بمثابة الأم لما كنت أجد عندها من الاهتمام والرعاية عندما آتى الى بيتها بصحبة ولدها أخي بدر العتيقي، الذي كان زميلا لي في المدرسة الأحمدية، وقد أتاحت لي هذه الفرصة - وأنا صغير - تعرف نظام مدرسة البنات الأهلية.
وقد يكون هناك ما هو أقدم من هاتين المربيتين الكريمتين - كما قلت آنفا - ولكن لا مجال عندي للحديث عن أمر لم يصلني العلم عنه على وجه اليقين، لأن الناس في ذلك الوقت المتقدم لم يكونوا يكتبون تاريخ الأعمال.
3- من مدارس الكويت في الخارج
ولم تكتف الكويت بخدمة أبنائها في الداخل، بل خرجت جهودها مبذولة إليهم في الخارج حين كان عدد منهم يعمل في ميدان التجارة، ويتخذ له مكاتب في الهند والباكستان، ويقيم هو وأهله هناك. وكانت دراسة أبناء هؤلاء التجار صعبة هناك لاختلاف اللغة والمناهج، فسعت حكومة الكويت الى علاج هذا الأمر، ولقد كان البدء في سنة 1952م بإنشاء مدرسة في بومباي هي مدرسة الكويت العربية. ثم تم إنشاء مدرسة كراتشي الكويتية العربية في سنة 1953م. لقد كانت للكويت جالية صغيرة في كل من مدينتي كراتشي الباكستانية، وبومباي الهندية، وكان هؤلاء الكويتيون يزاولون التجارة هناك، ويساعدون أصحاب السفن الكويتية التي تقصد هذين الميناءين في الزمن السابق، ومنهم من يتعامل مع السوق الكويتي بتصدير البضائع الى البلاد عن طريق السفن البخارية والشراعية. وقد رأت حكومة الكويت أن هذه الجالية في أمس الحاجة الى تيسير سبل الدراسة العربية أمام أبنائها، فافتتحت دائرة المعارف مدرسة في كراتشي بتاريخ الأول من شهر نوفمبر لسنة 1953م، وصارت تقبل أبناء الكويتيين وغيرهم من أبناء الجاليات العربية الأخرى، وكان عدد طلابها في الأول من شهر أكتوبر لسنة 1955م اثنين وتسعين طالبا وطالبة تضمهم أربعة صفوف يصل مستواها الى الصف الرابع الابتدائي بنظام هذه الأيام، وعمل بالتدريس في مدرسة كراتشي خمسة مدرسين منهم ثلاثة من الكويتيين، وقد فرح العرب المقيمون في هذه البلدة بإنشاء المدرسة، وتمنى عدد من الباكستانيين قبول أبنائهم بها، ولكن المساحة المكانية وقلة عدد المدرسين لم يكونا يسمحان بالتوسع في قبول هؤلاء الطلاب، وقد صارت هذه المدرسة - في الوقت نفسه - مركزا ثقافيا للعرب، يأتون للاطلاع على ما فيه مكتبتها من كتب ومجلات، كما يتبادلون الأحاديث عن أوطانهم وأخبار أهلهم وبني عمومتهم فيها.
وفي اليوم الثامن من شهر ديسمبر لسنة 1952م بدأ العمل في مدرسة بومبي العربية التي تم إنشاؤها بناء على طلبات من أفراد الجالية الكويتية المقيمة في تلك البلاد فقد بدأ العمل فيها في اليوم الثامن من شهر ديسمبر لسنة 1952م.
وكانت بداية الدراسة فيها في مكان صغير نسبيا، وذلك من أجل السرعة في افتتاحها، ولكنها في شهر مايو من سنة 1955م انتقلت الى مبنى أكثر رحابة وأجدر بأن يقدم الخدمة المطلوبة، وكان في المدرسة قسمان مستقلان أحدهما للبنين والآخر للبنات، وكانت هذه المدرسة تقوم بتدريس الصغار اللغة العربية ومبادئ الدين الحنيف حتى اذا انتقلوا الى المدارس الأجنبية وجدوا أنفسهم قد حصلوا على معلومات قيمة في هذين الحقلين، وتقوم - أيضا - بتدريس هاتين المادتين للكبار ممن يدرسون في المدارس العامة لتعويضهم عن النقص في معلوماتهم عن لغتهم ودينهم. وفي المساء تكون المدرسة ناديا يجمع الكويتيين والعرب الذين يعيشون في بومباي حيث يتبادلون الأحاديث ويطلعون على ما في مكتبتها من كتب وصحف. هذا، ولاتزال مدرسة الكويت العربية في بومباي تؤدي عملها كما هي عادتها منذ تأسيسها، أما مدرسة كراتشي فقد أغلقت، بعد انتفاء الحاجة إليها بانتقال أفراد الجالية الكويتية التي كانت مقيمة هناك الى الوطن.
4- القيصرية
نحن إلى يومنا هذا نذكر القيصرية، ويُردد اسمها أولئك الذين لم يروا واحدة منها أو يدركوا مسماها، ذلك اننا نستمع من إذاعة الكويت باستمرار الى أغنية شعبية كانت - ولاتزال - شائعة بيننا، يغنيها مطربون منفردون وتغنيها الفرق الفنية الشعبية من رجال ونساء.
هذه الأغنية هي التي قالها الشاعر الكويتي فهد بورسلي وفيها:
يا هَلِ الشرق مُرُّا بي على القيصرية
عضدوا لي وتلقون الأجر والثوابِ
واطلبوا دَختر العشاق يكشف عَليَّه
كود يمسح على قلبي أو يبري اصوابي
كود يرفا اجروحٍ بالضماير خفيه
من رفا جرح مسلم فاز يوم الحساب
وهكذا بقي لنا اسم القيصرية بسبب هذه الأغنية الشعبية الجميلة على الرغم من غياب الاسم المعروف لبعض المباني المتناثرة في أسواق الكويت، وهي بحسب الوصف التالي:
تتكون القيصرية من مبنى مسقوف داخله ساحة، وعلى جوانبه محلات تجارية متنوعة الأغراض (دكاكين). تباع فيها الملابس والأقمشة، وبعض ما يحتاج إليه السكان.
وقد ذكرت في الكويت مجموعة منها لاتزال أسماؤها في ذاكرة بعض الناس منها قيصرية الرشدان، وقيصرية عبدالله السالم وقيصرية فهد السالم وقيصرية المعجل وقيصريات أخرى.
وإذا أردنا العودة الى أصل الاسم في التراث العربي القديم فإننا نرى ان محمد بن مكرم بن منظور لم يذكر القيصرية في كتابه «لسان العرب» وهو - كما هو معروف - من أوسع الكتب في مجال تبيان معاني ألفاظ اللغة العربية، ولكنه ذكر أمرين مهمين هما:
أ - القصر، وقال عنه هو البناء، ولا شك في انه يقصد انه القصر الذي نعرفه الى يومنا هذا، وأشهر ما عندنا منه اليوم قصر دسمان، وقصر نايف وقصر السيف، وقصر بيان، وفي الجهراء: القصر الأحمر.
ب - القصار، وقد ذكر انه الذي يعمل على تقصير الثياب.
ج - المقصورة، التي وصفها بأنها الدار الكبيرة المحصنة.
هذا ويذكر في الحديث عن القيصرية والقيصريات برجل فاضل كان يعمل مهندسا في الكويت وكنت قد كتبت فقرة تتعلق به وبعمله، وفيها إشارة الى القيصريات، وهذه هي الفقرة التي أقصدها:
قليل من أبناء هذا الجيل من الكويتيين هم الذين يعرفون د.سابا شبر، ويدركون الأعمال الباهرة التي قام بها خلال فترة حياته في الكويت.
هذا الرجل المتخصص في تخطيط وتطوير المدن كان من أبرز العاملين في بلدية الكويت، وكان يرى ان عمله الذي يقوم به إنما هو بمنزلة تأدية رسالة يضطلع بها تجاه الكويت، ذلك لأنه محب لهذا الوطن ومحب لعمله في وقت واحد. وكان إنسانا رقيقا حسن المعشر تجلس معه فتشعر بأنك تجالس فنانا لا مهندسا، لا يتحدث في أمر من أمور الدنيا إلا فيما يتعلق بتطوير المباني وتخطيط المدن، كنت ألتقي به بين آونة وأخرى فأجد فيه تلك النزعة الشديدة إلى تنفيذ ما يفكر به، وإلى تحويل الأوراق التي يضع عليها الرسوم التي يبتكرها إلى واقع ملموس. أذكر أنه في إحدى جلساتي معه كان يتحدث عن نوع من المباني يطلق عليه عندنا اسم (القيصرية) وهو اسم عربي قديم شاع في الأندلس ولايزال ساريا هناك حيث يسمونه (قيسارية) وكان سابا جورج شبر يرى ان القدماء لم يبنوا هذا النوع من البناء عبثا، ولكنهم أنشؤوه لحاجتهم إليه فهو مبنى يقي المتسوقين حرارة الشمس، والبلل من المطر، وهو نوع يتمنى أن يعود بعد ان انقطع وجوده عندنا، أذكر ان هذه الفكرة كانت تلح عليه إلحاحا شديدا، وقد جاء لزيارتي بعد ذلك ليبلغني بأن بلدية الكويت قد اقتنعت بالعودة الى ذلك الشكل من أشكال البناء، وقد تقرر البدء بأول قيصرية حديثة، وتم له بالفعل تخطيط بعض الأسواق التي جرى إنشاؤها بنظام القيصريات وهي المباني التي نجدها في المنطقة التجارية التاسعة من سوق الكويت، وتعددت بعد ذلك المباني من هذا النوع، وتطورت الى ان وصلنا الى الشكل الذي يسمى اليوم (المولات) وهو شكل لا يخرج عن شكل القيصرية القديمة إلا من حيث الفخامة التي فرضها التطور، وتغير الأحوال، ولم تقتصر جهود د. سابا شبر على ما ذكرناه فإن له مشاركات كثيرة في عدد من الأعمال المعمارية المهمة، وله فكر معماري إن صح هذا التعبير أورده في كتبه وأبحاثه وفي الندوات والمؤتمرات التي شارك فيها على امتداد حياته العملية.
إذن فهذا بيان كامل يشهد بأن القيصريات عادت إلى عهدها السالف، وأصبحنا نراها بأعيننا، ونستمتع بما تضمه من أنشطة تجارية وغير تجارية. وإن كنا لا نسميها اليوم باسمها القديم فقد لجأنا الى الاسم الأجنبي كما هي عادتنا في كثير من المسميات عندما نُطلق عليها أسماء غير عربية، وهذا ما يؤسف له.
5- حول اللهجة الكويتية
سنتجه هنا إلى اتجاه مختلف عند حديثنا عن اللهجة الكويتية، ثم نعود بعده الى ما كنا عليه من قبل:
من ألفاظ اللهجة الكويتية لفظ له أصل عربي هو السافي. وقد جاء في كتاب لسان العرب قوله: «وسفت الريح التراب تسفيه سفيا.. ذرته.. وتراب ساف: سفي».
وفي السنوات الأولى من خمسينيات القرن الماضي شهدتُ في الجهراء كميات هائلة من الرمال تذروها الرياح قادمة من الشمال حتى ملأت الطرق في جنوبي الجهراء وآذت السكان كثيراً ودفنت بعض المنازل والمزارع عن آخرها. وكان الأهالي يطلقون على هذه الرمال لفظ: السافي وهو اللفظ الفصيح نفسه إضافة الى معناه.
ولقد تتبعت هذا الأمر فوجدت دائرة بلدية الكويت تقوم في ذلك الوقت بإنشاء سور على شكل قوس يحمي الجهة الجنوبية للبلدة، ويريح السكان من ذلك الذاري المزعج. ولقد كانت البداية بأن حُفرت آبار بامتداد السور المطلوب، لأن النية كانت أن يبنى من الطين، وأن يسبق ذلك إنتاج كمية كبيرة جدا من اللبن الطيني لكي يكون البناء باستعماله. وقد تم ذلك، وحجز هذا السور السافي وراءه، وارتاحت الجهراء بعد معاناة شديدة. هذا ولم تتوقف الرياح الحاملة للغبار والرمال (السافي) حتى لقد كنا نشهد آثارها في العاصمة في مواسم معينة، وكلها تأتينا من الشمال. ولقد قرأت - مؤخرا - عن نية إحدى الجهات القيام بعمل مشترك مع آخرين لوضع حل نهائي يبعد السافي عن المنطقة كلها بما فيها بعض المواقع الكائنة في خارج حدود الكويت، وكأننا مسؤولون عن ذلك، مع أن كل ما عانته الجهراء وما نعانيه في بعض المواسم إنما هو قادم من الخارج، ولذلك فإن أولئك الذين يرسلون لنا السافي هم المسؤولون عن اتخاذ الإجراءات المناسبة لكبحه.
وقرأت بعد قراءتي هذه ما جعلني أجد أن من المهم أن يكون شأن هذا السافي معلوما لدى الكافة. ذلك أنه لم ينشأ منذ الفترة التي ذكرتها آنفا وهي السنوات الأولى من خمسينيات القرن الماضي بل إنه مغرق في القدم وهذا هو ما وجدته: في كتاب لسان العرب (مادة: سفا) قوله: «وفي حديث كعب ان رسول الله صلى الله عليه وسلم: قال لأبي عثمان النهدي إلى جانبكم جبل مشرف على البصرة يقال له: سنام، قال: نعم، قال: فإنه أول ما يرده الدجال من مياه العرب.
ويقول ياقوت الحمودي في كتابه «معجم البلدان»: سنام جبل مشرف على البصرة، وإلى جانبه ماء كثير السافي، وهو أول ماء يرده الدجال من مياه العرب.
وهذا يدل على ان أمر السافي قديم وأنه مرتبط بحدث ذكره صلى الله عليه وسلم، والحدث يتعلق بالدجال الذي وُعِدْنا بخروجه في آخر الزمان.
وبناء على ذلك فإن الأمر لا يخرج عن أمرين:
إما أنه سوف يخرج كما وعدنا الصادق الأمين في هذا المكان الذي يملؤه السافي. وبالتالي فإننا لن نستطيع أن نُغير في الوضع البيئي مهما فعلنا.
وإما أنه سوف يخرج بعد أن تزول الرمال التي تذروها الرياح ويصبح المكان مهيأ لكي يأتي إليه الدجال ويشرب من الماء الموصوف هناك، وفي هذه الحالة فإننا نساعد على التعجيل بخروجه وكأن ذلك يسعدنا، وقد أنذرنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم وقال إن ما من نبي إلا وقد حذَّر قومه من الدجال، فهل من المصلحة أن نهيئ الظروف لمجيئه.
وآخر ما نتوصل إليه وهو هذا التساؤل:
- ألم تنجح تجربة الخمسينيات التي ذكرناها هنا؟ ألم يمنع السور الطيني البسيط الذي أقامته بلدية الكويت في شمالي الجهراء السافي عن البلدة كلها؟
في واقع الأمر أن الرد على هذين السؤالين هو: بالإيجاب، وأنا أكتب هذا، لأنني حضرت العمل الذي تم بنجاح، وأشهد على نجاحه.
- إذن فلماذا ننتقل الى خارج حدودنا لكي نعالج هذه المشكلة التي مرت بنا تجربة ناجحة لها، إن المشكلة التي نشكو منها، وتأتينا خاصة في أيام البوارح التي تغمُرُنا بترابها وغبارها ورياحها في شهر يونيو من كل سنة.
وليس المقصود هو العودة الى الوراء بأن نحفر آبارا، ونبني سورا طينيا كما فعل الأولون، ولكن - بسبب تغير الأحوال وتطور سبل الحياة - فإن بالإمكان الوصول الى حل ملائم، وأقرب الحلول هو: التشجير. ألم نسمع دائما أن أصحاب مزارع المنطقة التي تسمى اليوم: العبدلي، يغرسون حول مزارعهم أشجارا كثيفة يسمونها مصدات الرياح، وهي نافعة لهم الى حد كبير، فهل نعجز عن القيام بمثل هذا العمل، ولكن على نطاق أوسع لأن المساحة المطلوب أن تحمي مساحة واسعة، تستحق منها هذا الجهد. ولا شك في أن الصفوف التي سوف تغرس من هذه الأشجار سوف تكون لها آثار بيئية كبيرة، وسوف تفيد في صد السافي وتخفيف رياح البوارح، وتطوير المنطقة من حولها. وأخيراً فإن هذا هو ما فكرت فيه، وهو غير ملزم لأحد، ولكنني أدعو إلى التفكر فيه مثلي.