يتعايش نحو 537 مليون شخص بالغ حول العالم مع مرض السكري الذي يحصد حياة شخص واحد كل خمس ثوان ما يشكل تحديا للجهود الدولية الرامية إلى تحقيق الأهداف الإنمائية لجهة تعزيز النظم الصحية.
وما يؤكد أهمية تكاتف الجهود للتصدي لهذا المرض توقع التقرير العاشر للاتحاد الدولي للسكري ارتفاع عدد المصابين به إلى 784 مليونا بحلول عام 2045 وسط تحذيرات دولية من انتشاره بفعل عوامل الوراثة وسوء التغذية وقلة الحركة واختلال عمل البنكرياس.
ويعد «السكري» من الأمراض المزمنة غير المعدية المنتشرة عالميا وهو «مرض مزمن يحدث عندما يعجز البنكرياس عن إنتاج الإنسولين «هرمون ضبط مستوى السكر في الدم» بكمية كافية أو عندما يعجز الجسم عن الاستخدام الفعال للأنسولين الذي ينتجه»، بحسب منظمة الصحة العالمية.
ووفقا للمنظمة الدولية «يعد (فرط الغلوكوز في الدم) الذي يعرف أيضا بـ(ارتفاع مستوى السكر في الدم) من النتائج الشائعة الدالة على خلل في ضبط مستوى السكر ويؤدي مع الوقت إلى الإضرار الخطير بالعديد من أجهزة الجسم لاسيما الأعصاب والأوعية الدموية».
وبمناسبة اليوم العالمي لمرضى السكري الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2007 ويوافق الرابع عشر من نوفمبر سنويا قال استشاري الغدد الصماء والسكري رئيس رابطة السكر د.وليد الضاحي لـ «كونا» إن الكويت رائدة في مجال مكافحة هذا المرض على مستوى المنطقة بتوفير مختلف أنواع الأدوية والمضخات العلاجية.
وأضاف الضاحي، وهو أيضا زميل مركز جوسلين في جامعة هارفارد الأميركية، إن (السكري) يعد من أكثر الأمراض الوبائية غير المعدية انتشارا في العالم، وتعد منطقة الخليج العربي الأعلى من حيث أعداد الإصابة به.
وبين أن هذا المرض تسبب العام الحالي في حدوث نحو 6.7 ملايين حالة وفاة حول العالم، مشيرا إلى أن «هناك حالة وفاة كل خمس ثوان» جراء الإصابة به بحسب تقرير الاتحاد الدولي للسكر، وأن هذا المرض الذي تسبب في إنفاق دول العالم نحو 699 مليار دولار أمريكي خلال الـ15 عاما الماضية للتصدي له يشمل ثلاثة أنواع هي (الأول) و(الثاني) و(سكر الحمل).
وذكر أن النوع الأول «يصيب الأطفال وينتشر في الكويت بشكل كبير إذ انها تحتل المركز الأول عربيا والثالث عالميا» في معدلات الإصابة به مضيفا أن هذا النوع «يحدث في سن مبكرة وينتج عن عجز البنكرياس عن إفراز الإنسولين بسبب توقفه عن العمل».
وأشار إلى أن «(النوع الثاني) يحدث في منتصف العمر أو بعده وهو الأكثر انتشارا في الكويت التي تعد واحدة من أكثر عشر دول بالعالم في معدلات الإصابة».
وأوضح أن هذا النوع يتسم بنقص مستمر وبطء في مستوى الإنسولين بالجسم ومقاومته له مع زيادة إفراز السكر بالدم، لافتا إلى ارتباطه بعوامل الوراثة والسمنة وقلة الحركة.
وذكر ان هذا النوع «لا يحدث بشكل مفاجئ ويتميز بنقص إفراز الإنسولين بحيث لا يكفي لخفض نسبة السكر في الدم» أما النوع الثالث منه وهو (سكر الحمل) فينتهي مع الولادة.
وحول أسباب ارتفاع معدلات الإصابة بأمراض السكري في الكويت، قال الضاحي إنها تعود بالدرجة الأولى إلى العامل الوراثي وقلة الحركة والعادات الغذائية السيئة، مؤكدا أهمية الالتزام بتناول الدواء لتفادي ارتفاعات السكر المؤدية إلى مضاعفات.
وأضاف ان «مرض السكري ليس ارتفاعا في نسبة السكر بالدم فحسب إنما هو مرض مزمن وعدو شرس يتطلب أن يكون المصاب به على علم تام بطبيعته تفاديا لمضاعفاته المستقبلية بالحركة وممارسة الرياضة بما لا يقل عن 150 دقيقة أسبوعيا وتقليل نسبة السكريات سريعة الامتصاص وكذلك الدهون».
وأشار إلى ضرورة متابعة المريض بالمنزل لمعرفة ما إذا كان العلاج الذي يتناوله كافيا أم يحتاج إلى تعديل مع ضرورة إجراء الفحص الدوري المتخصص وزيارة الطبيب ومعرفة نسبة الكوليسترول في الدم وكذلك فحص القدم وقاع العين وضغط الدم.
وفيما يتعلق بالسبل العلاجية، أشار الضاحي إلى أحدث المستجدات في هذا الصدد خاصة ما يتعلق بالنوع الأول من خلال مضخات الانسولين الذكية التي تقيس مستوى السكر وتأخذ قرارها بوقف الإنسولين، وهو أحدث تطور علمي يمكن استخدامه ومتوافر في الكويت، مشيرا في الوقت نفسه إلى «المضخة اللاصقة».
وبخصوص علاج النوع الثاني يقول رئيس رابطة السكر الكويتية، إن هناك الكثير من الأدوية الحديثة منها الإبر التي تخفض الوزن وتعدل مستويات السكر وتعد من الخيارات المفضلة إضافة إلى حبوب جديدة تعمل على تسريب السكر في البول وهي آمنة على القلب والكلى».
ورأى أن «(الخلايا الجذعية) لها مستقبل كبير في علاج مرض السكري من النوع الثاني لكنها لم تحز موافقة أي مركز علمي في العالم إلا أن الكثير من المراكز تقفز على العلم وتستخدمها بشكل تجاري لكن لا ننصح بها حاليا حتى تتضح درجة أمانها على المدى البعيد».
وشدد الضاحي على أن الكويت تعد رائدة في المنطقة بمجال مكافحة السكري من خلال توفير مختلف أنواع الأدوية وكذلك مضخات الانسولين وأجهزة الفحص المتخصصة، ناهيك عن البرامج التوعوية التي تنظمها وزارة الصحة ورابطة السكر الكويتية.
من جانبه، قال المدير العام ل(معهد دسمان للسكري) الذي أنشأته مؤسسة الكويت للتقدم العلمي د.قيس الدويري في تصريح مماثل لـ «كونا»، إن المعهد يواصل جهوده للحد من تزايد نسب الإصابة بداء السكري والتصدي له ليكون أحد أهم المراكز الشاملة للأبحاث والعلاج والتوعية في مجال تخصصه.
وأوضح الدويري أن معهد دسمان يعمل وفق استراتيجية توعوية وبرامج محددة بالتعاون مع وزارة الصحة وعدد من الجامعات والهيئات العالمية المرموقة للتصدي والوقاية من مخاطر مرض السكري.
وأشار إلى أن المعهد يجري العديد من الأبحاث والمشاريع حول المرض ومضاعفاته المختلفة من بينها عيادة التغلب على السكري من النوع الثاني والتي تستقبل المرضى ممن تنطبق عليهم بعض الشروط.
ولفت إلى البحث القائم حول دراسة (تأثير السكري على المخ) و(نمط الحياة على السكري) فضلا عن تأثير تمارين المقاومة في المنزل على بنية وتركيب الجسم وقوة العضلات والتحكم بالسكري لدى المصابين بالنوع الثاني.
وأوضح أن المعهد يطور سجلا وطنيا للسكري بالارتباط مع كافة المراكز الصحية الأولية والمستشفيات في دولة الكويت ويجري العديد من الأبحاث والدراسات التي تتمحور حول دور المناعة والعوامل الوراثية والبيئية والسمنة ونمط الحياة وارتباطها وعلاقتها بحدوث مرض السكري.
وقال الدويري إن عدد المراجعات والمواعيد في معهد دسمان للسكري منذ بداية العام بلغ أكثر من 34 ألف موعد ومراجعة لأكثر من 3500 مريض في مختلف العيادات فضلا عن تقديم خدمات طبية وعلاجية متعددة بأعلى معايير الرعاية الصحية.
بدورها، قالت استشارية أمراض الباطنية والغدد الصماء والسكري في وزارة الصحة د.آمنة شاغولي في تصريح مماثل لـ «كونا»، إن (السكري) يعد من أكثر الأمراض انتشارا، وتبلغ نسبة الإصابة العالمية به نحو 10%، والذي ينتج عن فشل جزئي أو كامل للبنكرياس في إفراز هرمون الانسولين.
وفي معرض استنادها الى تقرير للاتحاد الدولي للسكري (أي.دي.إف)، تقول شاغولي إن معدل انتشار المرض في الكويت بلغ في عام 2006 ما نسبته 14.2% ، بمعدل شخص لكل سبعة أشخاص، وبما يقارب 400 ألف شخص مصاب، وتصل إلى 20% لدى كبار السن (فوق 79 عاما).
وأوضحت ان العديد من الأبحاث الحديثة أظهرت ارتباط مرض السكري الوثيق بنمط الحياة اليومية، وبالتالي فإن نسبة إمكانية تفادي الإصابة بالنوع الثاني منه تحديدا قد تصل إلى 60% عبر تغيير نمط الحياة اليومي غير الصحي.