عن الإمام أحمد وأبي داود من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، وكان أحدهما مذنبا، والآخر مجتهدا في العبادة، وكان لايزال المجتهد يرى الآخر على الذنب، فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب، فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟! فقال: والله لا يغفر الله لك! أو لا يدخلك الله الجنة! فقبض روحهما، فاجتمعا عند رب العالمين، فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما؟! أو كنت على ما في يدي قادرا؟! وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر اذهبوا به إلى النار».
وفي هذا السياق الذي يعتبر وليد علم الدلالة، ومن أهم القرائن التي تكشف عن المعنى نقول: كم من المؤسف ما نراه وما نسمعه في هذه الأيام بالحكم على غيرنا من الأشخاص إذا ماتوا بأنهم من أهل الجنة أو من أهل النار، وكأننا نملك مفاتيحهما أو أصبحنا نتدخل في علم الغيب الذي لا يعرفه إلا الباري سبحانه.
فلا أحد منا ابدا يعرف ما هو مصيره عند رب العباد، فقد يعمل الإنسان طوال حياته بعمل أهل الجنة حتى ما يقترب من الموت فيعمل الذنوب والمعاصي فيموت عليها ويدخل النار، والعكس صحيح لأصحاب الذنوب الذين جعلوا حياتهم مليئة بالمعاصي والآثام، لكن بهداية من عند الرحمن سبحانه، يتوبون عليها فيموتون علي الطاعة فيدخلون الجنة.
ولنا في سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه مثلا في ذلك، بدعوة واحدة من النبي صلى الله عليه وسلم، أسلم وأصبح الخليفة الثاني للمسلمين وبشره النبي بالجنة، كما قال عنه أيضا: «لو كان من بعدى نبي، لكان عمر بن الخطاب».
إذن من نحن كي نسمح لأنفسنا بالتألي على الله عز وجل !؟ فعن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، وإن الله تعالى قال: من ذا الذي يتألى علي ألا أغفر لفلان؟! فإني غفرت لفلان، وأحبطت عملك» ومن نحن لنستبعد الهداية عن هذا أو ذاك مهما كان حاله!؟ فكم من عاص وآثم أصبح بين عشية وضحاها إماما من أئمة الهدى.
فهداية البشر بمشيئته سبحانه، هو وهبنا عز وجل عقلا منيرا، وإرادة حرة لنختار من خلالها، لذلك دائما ما نجد القرآن الكريم وسنته يركزان على الاتباع ويعتبرانه مناطا بالهداية، والطريق الموصل إلى الصلاح والفلاح في الدنيا والآخرة، ومن أعظم الدلائل على ذلك أن الباري سبحانه قد بين لنا أهمية الاتباع، وأثره في الوصول إلى الهدى وتجنب الضلال.
وعلى هذا، فلا يجوز أن نقنط أحدا من رحمة الله الواسعة، فمن مات حتى وان كان من أصحاب الكبائر فأمره إلى ربه لا إلينا، إن شاء عفا عنه، وإن شاء جازاه بعقابه، فلم الافتئات!؟ ولم تلك الصياغات الواسعة التي يمكن تحميلها بأكثر من معنى؟!
فلا تجعلوا من أنفسكم أوصياء على الناس، وكأن مفاتيح الجنة والنار في أيديكم وأنتم لا تعرفون حتى مصيركم لتفتوا بكل وقاحة على أهوائكم بمصائر غيركم!