ليلى الشافعي
أثار الشيخ أبوبكر جاد الرب أحد علماء الأزهر الشريف الجدل والتساؤلات حول ما صرّح به بأن الجن يمكنه ان يسرق الأموال والذهب والأطعمة، وأن عالم الجن كعالم البشر منهم الجيدون ومنهم السيئون.. فهل صحيح أن الجن يسرق؟ وهل لديهم القدرة على التزاوج من الإنس؟ هذا ما سيوضحه لنا علماء الشرع.
في البداية، قال العميد السابق لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.عجيل النشمي:
أُثبت وجود الجن بالقرآن والسنة وعلى ذلك انعقد الإجماع، فمنكر وجودهم كافر لإنكاره ما علم من الدين بالضرورة. وللجن قدرة على التشكل في صور شتى، وقدرة على التطور والتشكل في صور الإنس والبهائم، فيتصورون في صور الحيات، والعقارب، وفي صور الإبل، والبقر، والغنم، والخيل، والبغال، والحمير، وفي صور الطير، وفي صور بني آدم، كما أتى الشيطان قريشا في صورة سراقة بن مالك بن جعشم لما أرادوا الخروج إلى بدر. قال الله تعالى: (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما تراءت الفئتان نكص على عقبيه.
واتفق العلماء على أن الجن مكلفون مخاطبون لقوله تعالى: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون) وقوله تعالى: (قل أُوحي إليَّ أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا)، وأما دخول الجن الإنسان أوما يسمى بالتلبس ففيه خلاف بين العلماء، قال أبوالحسن الأشعري: اختلف الناس في الجن، هل يدخلون في الناس؟ على مقالتين: فقال قائلون: محال أن يدخل الجن في الناس. وقال قائلون: يجوز أن يدخل الجن في الناس، ولحديث: (اخرج عدو الله فإني رسول الله صلى الله عليه وسلم) ولأن أجسام الجن أجسام رقيقة، فليس بمستنكر أن يدخلوا في جوف الإنسان من خروقه.
الجن حقيقة مؤكدة
كما اكد د.سعد العنزي هذه الحقيقة قائلا نعم الجن يصرع الإنسان في بعض الأحيان ويؤذيه، فمنهم من يدخل في الإنسان عشقا أو تفريقا او حاقدا او عن طريق إصابة بعين.
وعالم الجن عالم مغاير لعالم البشر، ولكن يتشابهون في الانتماء والعقائد، فمنهم المسلم ومنهم من هو من أهل الكتاب ومنهم من لا دين له ومنهم الصالح المؤمن ومنهم الفاسد المؤذي وهذا يسمى شيطانا، بسبب ما يحمله من أذى وضرر للناس.
والجن الفاسد والعاصي يؤذي بعض البشر إما بمرض او تفريق او وساوس وبعض الأمراض النفسية وكذلك العضوية، وهم أيضا يعاشرون البشر ممن أصابوهم بمس ولكن ليس هذا لكل واحد منهم وإنما البعض، وهذا لا يكون في الوعي وإنما يكون كالحلم للنائم ويشعر البعض بهذا، وهناك من المعاصرين من لا يرى بدخول الجن في جسد الإنسان، وهذا كلام غير صحيح، والذي عليه علماء السلف وجمهورهم أن الجن يدخل في الإنسان ويصرعه ويتسبب له بكثير من العلل والأمراض، وهذا كله ابتلاء. وعلى الإنسان المصاب بالمس الصبر وأن يلتزم بالرقية الشرعية دائما مع أذكار الصباح والمساء وزيادة النوافل لتجنب مواقع الشياطين وأذيتهم.
وعن إنجاب الجن من الإنس، قال: لا يمكن الإنجاب من الإنس حتى ولو استمتع بعضهم ببعض لاختلاف طبيعة البشر مع الجن، ولكل من الإنس والجن تكوين إلهي رباني في الخلق يختلف عن الآخر. كما ان الإنسان المختل عقليا او المعاق ذهنيا لا يشترط أن يكون فيه مس من الجن وإنما أمراض نفسية تحتاج الى علاج طبي.
نعم الجن يسرق
بدوره قال د.محمد ضاوي العصيمي ان الجن فيهم البر والفاجر والأمين والخائن وأنه لا مانع من أن يقوم بالسرقة، كما أنه لا مانع من أن يقوموا بالإيذاء والقتل، لكن هذا لا يكون إلا بعد أن يتأكد الإنسان من المحيطين به قبل ذلك.
ومن أعظم ما يحصِّن المرء به نفسه من أذى الجن وسرقتهم هو ذكر الله تعالى والتسمية، قال صلى الله عليه وسلم: «غطُّوا الإناء، وأوكوا السِّقاء، وأغلقوا الباب، وأطفئوا السراج، فإن الشيطان لا يحلُّ سقاء، ولا يفتح بابا، ولا يكشف إناء، فإن لم يجد أحدكم إلا أن يعرُض على إنائه عودا ويذكر اسم الله فليفعل) رواه مسلم.
آية الكرسي
من جهته، قال سعد الشمري أن فسقة الجن قد يتسلطون على الإنسان فيسرقون من طعامه أو من متاعه، كما في حديث أبي هريرة مع أسيره الشيطان الذي علَّمه آية الكرسي، حيث كان يأخذ من طعام الصدقة، فقال صلى الله عليه وسلم: «صدقك وهو كذوب» لما قال له الشيطان إذا قرأ آية الكرسي: «لايزال عليك من الله حافظ حتى تصبح».
وفسقة الجن يتسلطون على من لا يذكر الله تعالى وعلى الفاسقين من الإنس أمثالهم، ولهذا على المرء أن يحافظ على أذكار الصباح والمساء وأذكار النوم فإنها مفيدة ومؤثرة بإذن الله تعالى وتبعد عنه الشياطين.. والجن إذا تمرد وفسق صار شيطانا، وبحمد الله أنهم لا يفتحون بابا مغلقا ولا إناء مغطى، ولهذا جاءت السنة بإغلاق الأبواب وتغطية الإناء وإيكاء الأسقية. أما مسألة زواج الجني بالإنسية أو الإنسي بالجنية فليس بصحيح.
قدرات محدودة
من جانبه قال الشيخ د.عبدالرحمن السماوي أن الجن أعطاهم الله قدرات لا تقتصر فقط على سرقة أموال ونهبها ولكن ليس كل أمر يقدرون عليه أو ينفذونه، فلهم قدرات محدودة وقد يضعفهم أو يحجم من قدراتهم ذكر الله وبعض الأذكار، فمع قدراتهم وسرعة حركتهم لهم مجالات لا يستطيعون أن يتعدوها، فلا يستطيعون فتح باب أغلق وذكر اسم الله عليه، كما أخبر بذلك الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: «أجيفوا الأبواب، واذكروا اسم الله عليها، فإن الشيطان لا يفتح بابا أجيف عليه» رواه أبوداود، وأحمد، وابن حبان، والحاكم.
أما بالنسبة لمسألة زواجهم من الإنس والعكس فقبل ان نذكر هذا الأمر فهل يجوز هذا في الشرع أم لا، وقد اختلف العلماء في ذلك والذي عليه نصوص الكتاب والسنة انه لا يجوز ومحرم لما يترتب عليه من مفاسد مثل وقوع الفواحش بين بني البشر، ونسبة ذلك إلى عالم الجن، إذ هو غيب لا يمكن التحقق من صدقه، والإسلام حريص على حفظ الأعراض وصيانتها، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، كما هو مقرر في الشريعة الإسلامية.