عمد حكام السودان العسكريون إلى الاستعانة بمسؤولين سابقين من عهد الرئيس المخلوع عمر البشير لشغل مناصب في الجهاز الإداري للدولة فيما يراه معارضون علامة على أنهم يسعون لتعزيز سيطرتهم على البلاد بعد الاستئثار بالسلطة في «الانقلاب» الاخير.
ويقول محللون إن قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان الذي لا يملك قاعدة سياسية لجأ إلى تحالف قائم على المصلحة مع شخصيات ساعد في إبعادها عن السلطة عند الإطاحة بالبشير في 2019.
وتشير هذه التحركات إلى أن البرهان يسعى لإحكام قبضة المؤسسة العسكرية على السلطة متجاهلا الدعوات التي أطلقها قطاع كبير من المجتمع الدولي للعودة إلى ترتيب اقتسام السلطة بين المدنيين والعسكريين الذي كان من شأنه أنه يؤدي إلى إجراء انتخابات في العام 2023.
ونفى مصدر رفيع مازال يعمل في الحكومة، أن من تم تعيينهم مؤخرا من «فلول» حكم البشير، وقال إن ترشيحاتهم تمت وفق الإجراءات الإدارية المعتادة.
ومع ذلك فإن التعيينات المعلنة لمسؤولين سابقين كبار من عهد البشير منذ «انقلاب» 25 اكتوبر الماضي، شملت: هويدا الكريم وكيلة وزارة العدل وعلي الصادق وكيل وزارة الخارجية ومحمود الحوري وكيل وزارة التربية والتعليم.
وقال الصادق لـ «رويترز» إنه تولى منصبه من منطلق الأقدمية، واضاف «لست منتسبا لأي نظام سابق. وأنا أؤدي عملي كموظف عمومي».
وتم أيضا تعيين مسؤولين في مناصب عليا في بنوك الدولة ووسائل الإعلام والحكومة الإقليمية في ولاية الخرطوم وولايات أخرى.
ويقول معارضون إن البرهان ربما يشدد على المعارضة الشعبية لاستيلاء الجيش على السلطة ويضيق بذلك المساحة المتاحة للمصالحة بتعيين مسؤولين سابقين من عهد البشير الذي ارتبط في اذهان الكثيرين من السودانيين بسنوات العزلة والعقوبات الأميركية.
وفي الوقت نفسه، يقول موظفون حكوميون وجماعات سياسية إنه يجري عزل موظفين عموميين تم تعيينهم بمناصبهم في ظل تحالف قوى الحرية والتغيير المدني الذي كان يتقاسم السلطة مع الجيش قبل الانقلاب أو تكليفهم بمهام أخرى.
ويرى كثير من السودانيين أن تغيير المتخصصين غير السياسيين كان من المكاسب الملموسة القليلة التي تحققت في الفترة الانتقالية.
وفي علامة على الخلاف المتنامي بسبب التعيينات تم القبض على العشرات في اعتصام لمعارضة تسليم مناصب لمسؤولين عينهم الجيش في مبنى وزارة التعليم بولاية الخرطوم مؤخرا، وذلك حسبما أعلنته لجنة المعلمين.
كما رفض مسؤولو الصحة في ولاية الخرطوم عزلهم من مناصبهم وتعيين من وصفوهم بأنهم استسلموا للجيش وخانوا العهد وتبرأوا من الثورة.
ومما استهدفه الانقلاب أيضا لجنة شكلت لتفكيك حكم البشير بوضع اليد على أصول وإبعاد الموالين له من المناصب العامة. وقد تم القبض على عدد من كبار أعضاء اللجنة.
واتهمت شبكة الصحافيين السودانيين الجيش باستخدام شخصيات من حزب المؤتمر الوطني في تطهير الموظفين العموميين الذي عينتهم الحكومة الانتقالية، بعد الإطاحة بالبشير والتضييق على اللجان النقابية وقيادات حملة العصيان المدني المناهضة للانقلاب.
وأوقف الانقلاب العمل باتفاق تقاسم السلطة بين المدنيين والعسكريين الذي تم التوصل إليه في 2019 بعد إطاحة الجيش بالبشير في أعقاب احتجاجات شعبية استمرت شهورا. وقاد البرهان المجلس الحاكم المشترك بين الطرفين غير أنه كان من المقرر أن يسلم القيادة لشخصية مدنية قبل انتخابات 2023.
وبعد اعتقال شخصيات مدنية رفيعة ووضع رئيس الوزراء عبدالله حمدوك قيد الإقامة الجبرية في 25 أكتوبر الماضي، قال البرهان إنه سيعلن تشكيل حكومة من المتخصصين لكنه لم يفعل. وتعثرت جهود شاركت فيها الأمم المتحدة لتأمين الإفراج عن الساسة والعودة إلى اتفاق تقاسم السلطة.
وقال المحلل السوداني مجدي الجزولي إن البرهان استغل الوقت في تعيين الموالين للجيش والدولة في مناصب تمثل مفاصل مهمة في السيطرة على البنية التحتية والبنوك والتجارة.
وأضاف أنه «يفعل ما يفعله كل حاكم من فرز للجهاز الإداري والعثور على الموالين له. وهو يخلق أمرا واقعا قبل (تشكيل) مجلس الوزراء».
وتطالب حركة الاحتجاج الجيش السوداني بالانسحاب من المسرح السياسي بالكامل. وكانت الحركة هي التي قادت المظاهرات المناهضة للبشير وحشدت الجماهير مرة أخرى في الفترة التي سبقت «انقلاب» 25 أكتوبر.
كما يواجه البرهان الأزمة الاقتصادية التي كانت سببا في الانتفاضة على البشير واستمرت حتى الإطاحة به، فقد توقفت المساعدات التي كانت قد بدأت تتدفق من الغرب لمساعدة السودان في الانتقال السياسي كما تم تقديم مشروع قرار في الكونغرس الأميركي يدعو إلى فرض عقوبات على قيادات «الانقلاب».
وأي تحالف قوي بين البرهان وفصائل تابعة للنظام السابق قد يواجه موقفا عسيرا بسبب استياء هذه الفصائل من دور البرهان كقائد للجيش في الإطاحة بالبشير عام 2019.