إن الحوار الوطني يحتاج إلى دعم الإعلام ووسائله، الإعلام الذي يقتضي أن يؤدي وظائفه الأساسية التي تتطلبها المرحلة الراهنة، وهو ما يمثل الدور الإيجابي لوسائل الإعلام في تعزيز هذه الثقافة، فلم تعد وظيفة وسائل الإعلام مقتصرة على الوظائف التقليدية المعروفة المتمثلة في نقل المعلومات والأخبار وتشكيل الاتجاهات والرأي العام، وتثقيف وتوعية الجماهير والترفيه والدعاية، بل تعدت ذلك لتشمل وظائف أخرى فرضتها طبيعة المرحلة التي نعيشها من سرعة تدفق المعلومات ونقلها، والتطور التكنولوجي، إذ أسهمت وسائل الإعلام في بناء ثقافة التغيير المجتمعي، فضلا عن وظيفتها كسلطة رابعة في الرقابة على أداء الحكومات وتحقيق وترسيخ الهوية الوطنية والانتماء.
وعندما نتحدث عن دور الإعلام في المصالحة الوطنية، فإننا لا نقر أو نفترض أن الإعلام له اليد الطولى في ذلك، ولكن في الواقع فإن ما يقوم به الإعلام بمختلف وسائله وأدواته إنما هو دور تعزيزي للجهود والمحاولات من المؤسسات الأخرى، أو تحريضي مضاد لتلك الجهود والمحاولات من خلال ما يبث أو يذاع أو ينشر عبر وسائله المتنوعة. وهنا يبرز تساؤل يفرض نفسه، مفاده ما مظاهر الخطاب الإعلامي الذي يعزز المصالحة الوطنية، وما مظاهر الخطاب الإعلامي الذي يضعف من فرص تحقيق هذه المصالحة ويعرقل مساراتها؟
ويجمع مختلف الخبراء والمهتمين على أن رصد أداء وسائل الإعلام في الفترات المصالحة الوطنية، يشكل مجالا مهما لا للمجتمع المدني والسياسي فحسب، بل لوسائل الإعلام ذاتها، إذ يوفر لها استعراض وقراءة نتائج الرصد الإعلامي فرصة الوقوف على نقاط القوة ومكامن الضعف في الممارسة الإعلامية، ويساعد في تأطير وتوجيه النقاش حول موضوع الانتقال من إعلام موال ومرتبط بالدعاية السياسية يمارس خارج قواعد مهنة الصحافة وأخلاقياتها، إلى إعلام هادف ومحترف، يضع اهتمامات الوطن والمواطن في أولوياته، مع تمكينه من الأدوات التي تجعله يحقق مواطنته في مجال ممارسة حقه في الإعلام والاتصال باعتباره غاية رسالته النهائية.
وعليه، فإن تناول دور الإعلام في عملية المصالحة الوطنية يمثل أهمية كبرى، نظرا لأهمية هذا الدور وخطورته، حيث تشكل الممارسات الإعلامية غير المنضبطة تهديدا مباشرا للمصالحة الوطنية، خصوصا إذا تركزت المعالجات الإعلامية حول التحريض واللاتسامح ونشر الحقد والكراهية وعدم قبول الرأي الآخر وتأجيج مشاعر الفرقة على كافة المستويات، ولا نبالغ إذا قلنا إن الإعلام إذا انتهج أساليب وممارسات غير مسؤولة ومرتبطة باعتبارات حزبية وسياسية ضيقة على حساب المصلحة العليا للوطن، فإنه يمثل تهديدا كبيرا لعملية المصالحة الوطنية برمتها، ويكون من الصعب الحديث عن تحقيق تلك المصالحة في ظل وسائل إعلام تؤجج الصراع ولا تسهم في تهيئة المناخ المجتمعي الملائم لتحقيق المصالحة، وبالتالي تصبح وسائل الإعلام مصدر تهديد للمجتمع بدلا من أن تؤدي رسالتها المنطلقة من مسؤوليتها الاجتماعية وبما يعزز من ثقافة التسامح واحترام الآخر وقبوله.
وأخيرا: إن أهمية الإعلام في عملية المصالحة الوطنية تأتي في سياق سياسي استثنائي على كويتنا الحبيبة تحت ظل الأسرة الكريمة أسرة «آل الصباح» المتسامحة، ربي يديم عزهم وحكمهم. وأذكر نفسي وأذكركم انه في السنوات التي أعقبت انطلاق ما أطلق عليها «ثورات الربيع العربي»، وما ارتبط بها من تجاذب واستقطاب على مختلف المستويات وعلى رأسها السياسي والإعلامي بشكل غير مسبوق في كثير من المجتمعات العربية التي شهدت هذه الأحداث، قدمت وسائل الإعلام في هذه الدول أسوأ الأمثلة في مجال نشر الكراهية ونبذ الآخر وكل ما من شأنه عرقلة أي محاولات هادفة لتحقيق المصالحة الوطنية. للحديث بقية، ودمتم.