تعرف دعوى المخاصمة بأنها دعوى ترفع بطلب أصلي من أحد الخصوم على القاضي أو عضو النيابة لسبب من الأسباب التي بينها القانون، وقد درجت التشريعات على اعتبار الغش والتدليس والخطأ المهني الجسيم وإنكار العدالة من أسباب رفع دعوى المخاصمة.
وقد كثرت في الآونة الأخيرة الدعوات لتعديل قانون المرافعات المدنية وتطبيق دعوى مخاصمة القضاة، وغالبا ما تظهر هذه الدعوات كردة فعل تجاه بعض الاحكام القضائية التي لا تلقى قبولا لدى الشارع، ومن ثم فإن المفهوم الدارج لدعوى المخاصمة هو انها وسيله لمعاقبة القاضي عما يصدره من احكام قضائية لا تصادف صحيح القانون، فما الطبيعة القانونية لدعوى المخاصمة؟ وهل تعتبر فعلا وسيلة لمعاقبة القاضي عن اخطائه؟
والحقيقة ان ظهور دعوى المخاصمة في التشريع الفرنسي الصادر سنة 1806 وتنظيم احكامها ضمن طرق الطعن غير العادية، علاوة على ما قد تؤدي إليه هذه الدعوى في حالات عديدة الى بطلان الحكم الذي أصدره القاضي واثارة مسؤوليته عما تضمنه هذا الحكم، كل ذلك أثار الخلاف بشأن الطبيعة القانونية لدعوى المخاصمة، وما إذا كانت دعوى بطلان ضد الحكم الذي اصدره القاضي ام دعوى تأديبيه ضده؟ ام انها دعوى مسؤولية مدنية تثار إزاء خطأ القاضي؟
على ان اعتبار دعوى المخاصمة دعوى بطلان ضد الحكم الذي أصدره القاضي وطريقا للطعن فيه يتنافى مع التنظيم التشريعي لكل منهما، ففي الوقت الذي تفترض فيه طرق الطعن في الأحكام صدور حكم قضائي يوجه له هذا الطعن، فإن دعوى المخاصمة كما قد توجه الى القاضي الذي اصدر الحكم والذي يعتبر من المدعي عليهم في دعوى المخاصمة، فإنها قد توجه الى عضو النيابة العامة، مما يعني عدم وجود حكم قضائي حتى يتم الطعن فيه، بل ان دعوى المخاصمة قد توجه ضد القاضي دون وجود حكم قضائي وذلك في حال انكاره للعدالة أي امتناعه عن الفصل في الدعوى المنظورة أمامه.
اما اعتبار دعوى المخاصمة دعوى تأديبية توجه الى القاضي لمعاقبته عما يتضمنه حكمه من أخطاء، فإن ذلك يتعارض مع التباين في الأثر المترتب عليهما ونتيجة قبول كل منهما، اذ يتم مثل ذلك الأثر في الدعوى التأديبية بتوقيع عقوبة من العقوبات التأديبية المنصوص عليها في القوانين المنظمة لعمل السلطة القضائية، بينما يتمثل ذلك الأثر في دعوى المخاصمة بالحكم على القاضي بدفع تعويض الى الخصم المضرور من خطأ القاضي.
والراجح لدى جمهور الفقه هو اعتبار دعوى المخاصمة دعوى مسؤولية ترفع على القاضي أو عضو النيابة العامة بغية حصول المضرور على تعويض عن الضرر الناجم عن خطأ القاضي أو عضو النيابة العامة حتى لو يترتب على قبول دعوى المخاصمة بطلان الحكم الصادر من القاضي أو توقيع عقوبة تأديبية عليه، ذلك ان بطلان حكم القاضي أو توقيع عقوبة تأديبية عليه يعتبر نتيجة منطقية لثبوت خطأ القاضي. ويتضح مما تتقدم ان الدعوات التي ظهرت لتطبيق دعوى المخاصمة لم تقم على فهم سليم لطبيعة دعوى المخاصمة وما يترتب على قبولها من نتائج وبنيت على اعتقاد خاطئ بأنها وسيلة لمعاقبة القاضي عما يرتكبه من أخطاء، وهو ما قد يؤدي الى إساءة استخدام دعوى المخاصمة حال إقرارها.
أحمد هاني دشتي - كلية الدراسات التجارية/ تخصص قانون