- د.العجمي: إيران تستثمر الوقت وإسرائيل قلقة والخليج عليه امتلاك زمام الفعل الديبلوماسي الواعي
- اللواء العلي: التحرك الديبلوماسي الراهن يستهدف التنسيق المسبق لأي طارئ
- العميد السري: التسرب الإشعاعي من مفاعلات إيران أخطر على الخليج من حيازتها للقنبلة النووية
- د.المناع: طهران مطالبة بإثبات أنها تريد علاقات طيبة ومطمئنة مع دول الجوار
محمد بدري عيد
تنطلق اليوم الاثنين في العاصمة النمساوية فيينا جولة جديدة ومهمة من المحادثات بين إيران والقوى الدولية الكبرى بهدف إحياء الاتفاق النووي الإيراني الموقع عام 2015م، وذلك بمشاركة غير مباشرة من الولايات المتحدة الأميركية.
وتترقب دول إقليم الشرق الأوسط عموما ودول الخليج بوجه خاص، النتائج التي ستسفر عنها هذه المحادثات، لكونها ستعطي مؤشرات قوية عن المستقبل في المنطقة، من حيث طبيعة العلاقات بين دولها، ومضامين ترتيبات الأمن الإقليمي وأبعاده وآلياته. وقد شهدت المنطقة على مدار الاسابيع الأخيرة زخما ديبلوماسيا واضحا تمثل في الجولات التي قام بها مسؤولون غربيون، جنبا إلى جنب مع الزيارات البينية الأخيرة لعدد من قادة وزعماء المنطقة.
«الأنباء» استطلعت آراء عدد من الخبراء والمختصين الذين طرحوا توقعاتهم لمسار محادثات فيينا، وقدموا رؤاهم بشأن تداعياتها المحتملة، وكيفية تعامل دول مجلس التعاون الخليجي معها:
بداية، يرى الخبير الإستراتيجي د.ظافر العجمي أن إيران تدخل محادثات فيينا وقد باتت في مرحلة «العتبة النووية»، وهي تحاول استثمار الوقت من أجل الوصول إلى القدرة على صنع السلاح النووي ومن ثم تقايض بذلك من أجل رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وهذا واضح من تصريحات المسؤولين الإيرانيين الذين تحدثوا عن زيادة مخزون طهران من اليورانيوم المخصب بنسبة 60% بما يفوق المتفق عليه في اتفاق عام 2015م.
وفي المقابل، يرى د.العجمي أن الولايات المتحدة هي حاليا في أضعف حالاتها التفاوضية لاعتبارات مختلفة، فيما إسرائيل القلقة جدا من البرنامج النووي الإيراني تبقى مكتوفة الأيدي من الناحية العملية، ولا تستطيع التحرك العسكري ضد إيران دون موافقة أميركا، وتهديداتها الحالية هي مجرد «كلام في الهواء». ويشير إلى أن هذا السياق الدولي والإقليمي المعقد المصاحب لمحادثات فيينا الراهنة، ربما يفسر جزئيا كثافة التحرك الديبلوماسي في المنطقة خلال القترة الأخيرة، وتصريحات التطمين التي حاولت واشنطن إرسالها إلى حلفائها في المنطقة على لسان كبار مسؤوليها العسكريين والسياسيين. ويؤكد د.العجمي على ضرورة امتلاك العواصم الخليجية زمام الفعل الديبلوماسي الواعي، الذي يحافظ على شراكاتها الاستراتيجية مع الولايات المتحدة من جهة، ويمكنها من ضمان أمنها وفق تنسيق خليجي-خليجي وخليجي-عربي من جهة أخرى، بما يساهم في ردع المخاطر الأمنية ودرء اي تهديدات قد تلوح في أفق المستقبل، لافتا إلى أن التحركات الاخيرة في المنطقة ربما تصب في هذا الاتجاه، لاسيما مع تولد قناعة إقليمية بتراجع إمكانية الاعتماد على الدور الأميركي لرعاية حالة التوازن بما يحفظ الأمن والاستقرار في المنطقة.
استقواء ديبلوماسي وإنذار بـ «العلم المسبق»
واتفق اللواء متقاعد محمد عيسى العلي مع ما طرحه د.العجمي بشأن موقف إيران التفاوضي الراهن، مبينا أن نبرة الخطاب السياسي لطهران حدث فيها تغير لافت في الآونة الأخيرة، وأصبحت أكثر ندية وتصلبا إزاء الخطاب الأميركي وهذا لم يكن مألوفا من قبل.
وعزى اللواء العلي ذلك إلى الدعم الديبلوماسي والسياسي الروسي والصيني لطهران، التي أصبح خطابها الآن لا يكتفي بعبارات كبيرة جوفاء ولكنه بات يتضمن مطالب وشروطا يجب على واشنطن الاستجابة لها لإنجاح محادثات فيينا.
ومع ذلك، يرى العلي أن إيران ليست بالقوة الديبلوماسية الكافية التي تمكنها من تحقيق كل مطالبها أو حتى معظمها على طاولة مفاوضات فيينا، وذلك لأنها محاصرة سياسيا وديبلوماسيا واقتصاديا من المجتمع الدولي خاصة من الولايات المتحدة، اضافة إلى الضغط الداخلي على النظام الإيراني، كما نرى في احتجاجات الجفاف ونقص المياه، فضلا عن الأزمة الاقتصادية الداخلية الطاحنة.
أما عن التحركات والزيارات المكثفة في المنطقة، فيرى العلي أنها غير منفصلة عن سياق محادثات فيينا، فهي تستهدف تنسيق المواقف وترتيب الأولويات بشكل استباقي لأي طارئ قد تشهده المنطقة على ضوء ما ستسفر عن الجولة الحالية من المفاوضات النووية.
ونوه إلى أن هذه التحركات تأخذ على محمل الجد التهديدات الإسرائيلية تجاه برنامج طهران النووي، لأنه في حال حدوث أي مواجهة بين ايران وإسرائيل ستتشابك المنطقة وستتورط بأكملها، فإسرائيل - كما هو معتاد - تحاول فرض الأمر الواقع، وقد تدفع المنطقة للهاوية فجأة، مستغلة ضعف إيران اقتصاديا في الوقت الحالي، وفشل طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية في حسم القضايا العالقة قبل مباحثات فيينا، وعدم رضى الاتحاد الأوروبي - على عكس المألوف - عن سلوك إيران الراهن بشأن التزاماتها النووية. وبالتالي، فإن إسرائيل قد تستغل هذه الأوراق لشن ضربة عسكرية ضد منشآت إيران النووية، وقد تكون تصريحاتها المعلنة حاليا هي رسائل لدول العالم والمنطقة بأن لديكم «علم مسبق» من خلال هذه التصريحات بما كنا مقبلين عليه ضد طهران.
«اكتفاء نووي» وضغوط اقتصادية
أما الأكاديمي والمحلل السياسي د.عايد المناع، فلم يتوقع أن يكون هناك اتفاق شامل بين إيران والقوى الكبرى في هذه الجولة من محادثات فيينا، لكن ربما يتم الخروج باتفاق مؤقت، واذا حدث ذلك ستماطل إيران حتى تستطيع الوصول إلى مستوى «الاكتفاء النووي» الذي يمكنها من أن تهدد بأن لديها سلاح نووي أو انها على أقل تقدير قادرة على تصنيعه ذاتيا.
ورأي د.المناع أن الدول الغربية ربما ستواجه المماطلة الإيرانية المتوقعة بالضغط الدبلوماسي، معتبرا أن ذلك وحده لن يجدي نفعا، إذ تشير الخبرة التاريخية في التعامل مع إيران إلى أنه لابد أن يصحب ذلك ضغوط اقتصادية. وأكد أن ثمة متطلبات لإحياء الاتفاق الموقع عام 2015، أهمها عودة واشنطن للاتفاق بعدما انسحبت منه عام 2018م، وكذلك أن تعود طهران إلى وضعه التكنولوجي النووي إلى الوضع الذي انطلقت منه عقب انسحاب إدارة الرئيس الاميركي السابق دونالد ترامب من الاتفاق. اما عن الحركة الدبلوماسية النشطة في المنطقة، فهي تدور حول كيفية ترتيب الأوضاع الإقليمية بشأن مستقبل مسار البرنامج النووي الإيراني.
واعتبر د.المناع أن الأخطر من السلاح النووي- الذي نادرا ما يستخدم بسبب القيود الدولية عليه- هو الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة الإيرانية وقد اتضح ضررها بشكل واضح خلال السنوات الأخيرة، معتبرا أنه إذا كانت طهران تريد بالفعل علاقات جوار طيبة ومطمئنة، فعليها أن تطلع جيرانها على ما لديها من تطور في هذا الصدد، وأن تتعهد بألا تزود اي تنظيم في المنطقة، أيا كان، بأي سلاح ممكن أن يقود للعنف والحرب وإثارة النزاعات.
وأعرب عن الاستغراب من موقف إيران التي تطمئن للدول الغربية وسمح لها بزيارة منشآتها النووية فيما لا تطمئن لدول الجوار ولا تمكنهم من الاضطلاع على ما لديها من تكنولوجيا رغم أن هذه الدول ذات علاقة بقضية السلاح النووي وما لا ترتبط به.
المفاعلات أخطر من القنبلة!
من جهته، قال العميد متقاعد محمد جاسم السري إن مباحثات فيينا المرتقبة لن تكون سهلة ويصعب التكهن بما ستسفر عنه من نتائج، خاصة وأن كل من إيران والولايات المتحدة الاميركية تدخل هذه المباحثات ولديها موقف متشدد ومدروس، مع المراهنة على أجواء التفاوض التي تتضمن «الأخذ والعطا» من أجل الحصول على أكبر قدر من التنازلات من الطرف الآخر.
وأشار العميد السري إلى أن هذه المحادثات أمام سيناريوهين رئيسيين: فإما الفشل والخروج بلا نتيجة، وأما التوصل إلى حل وسط وفي هذه الحالة سيكون هو أضعف الحلول، لأنه سيكون قائما على تحقيق توازن بين مطالب طهران وواشنطن.
أما بخصوص الزيارات التي شهدتها المنطقة خلال الفترة الأخيرة، فهي - وفقا للسري - تطرقت بكل تأكيد للملف النووي الإيراني، مستبعدا أن يكون هذا الملف هو المحرك الرئيسي لهذه الزيارات، إذ أن هناك العديد من الملفات الإقليمية الهامة التي كانت موضع نقاش وتبادل وجهات النظر بشأنها بين القادة والزعماء خلال تتلك الزيارات.
واعتبر العميد السري أن الأمر الأكثر خطورة الذي يجدر بدول الخليج أن توليه اهتماما متعاظما- ربما أكثر من احتمالات حيازة طهران للقنبلة النووية التي نادرا ما تستخدم لاعتبارات عدة- هو قضية صيانة وإدارة المفاعلات النووية الإيرانية بحد ذاتها.
وتابع ان «دول الخليج تقع في دائرة الخطر الإشعاعي الإيراني الذي يمكن أن يحدث سواء في حالات الطوارئ الطبيعية أو في حالة الأخطاء والأعطال الفنية. فمن جهة أولى، إيران التي تشرف على الشاطئ الشرقي للخليج العربي تقع على خط الزلازل النشطة، ما يعني تزايد احتمالات التسرب الإشعاعي من مفاعلاتها النووية في حال وقوع زلزال قوي أو متوسط بمقياس ريختر، وربما يتطور الأمر إلى الأسوأ باحتمال تحطم مفاعل أو أكثر.
ومن جهة ثانية، قد يحدث التسرب الإشعاعي- لا قدر الله- نتيجة حدوث أعطال أو خلل أو خطأ فني صيانته أو إدارته. وفي كلتا الحالتين ستكون العواقب كارثية بكل معنى الكلمة على دول الخليج بحكم وجودها في الجوار الجغرافي المباشر لإيران، ما يهدد بتكرار مأساة انفجار مفاعل تشرنوبل السوفييتي في ثمانينيات القرن الماضي، والتي امتدت آثارها المدمرة إلى أوسع دائرة من الدول بمحيطها الجغرافي، حتى النرويج التي تبعد آلاف الكيلومترات عن ذلك المفاعل تضررت بالتسرب الناتج عن انفجاره.
وبالتالي يجدر بدول الخليج أن تأخذ هذه المخاطر على محمل الجد، وأن تكون مستعدة لمواجهتها والتعامل معها، لاسيما أن التكنولوجيا المستخدمة حاليا في مفاعلات إيران النووية هي ذاتها التي كان يعمل بها مفاعل تشرنوبل.
وعن الإجراءات الاحترازية التي يمكن أن تتخذها دول الخليج في هذا الصدد، قال العميد متقاعد مجمد جاسم السري، أنه من الأهمية بمكان أن يكون هناك نظام خليجي للإنذار المبكر عن التسرب الإشعاعي من مفاعلات إيران النووية، وأن يتم توقيع اتفاقيات مع إيران تسمح بزيارات دورية لوفود خليجية متخصصة للاطمئنان على عدم وجود تسريبات، وأن تتضمن هذه الاتفاقيات إلزام طهران بانتهاج الشفافية التامة بالإبلاغ الفوري عن أي نسبة تسرب، إضافة إلى التنسيق بين دول الخليج والوكالة الدولية للطاقة الذرية في هذا الشأن.
وطالب العميد السري بضرورة أن تواصل دول مجلس التعاون الخليجي جهودها لتنفيذ مبادرتها الخاصة بجعل منطقة الخليج منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، وربما يمكن تعزيز هذه الجهود بالعمل على إصدار فتوى شرعية من منظمة التعاون الإسلامي بشأن تحريم حيازة أسلحة الدمار الشامل.