تتمتع منطقة الخليج العربي بإرث ثقافي كبير، ظلت محافظة عليه لفترات طويلة من الزمن، ولايزال هذا الإرث موجودا، بل إنه شهد تطورا في مختلف أشكاله، ونخص الشعر العربي، الذي ازدهر في الجزيرة العربية، ولايزال أثره باقيا على فنون الشعر، بالإضافة إلى صنوف الآداب الأخرى.
وحينما تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربي في 25 مايو عام 1981 كان من أهم أهدافه توثيق الروابط بين الشعوب، وهذا الأمر له الأولوية في منهجية عمل المجلس، قبل السياسة والاقتصاد.
ومن منطلق هذه الأولوية ولزيادة الحرص على تأكيدها، جاءت إدارة الثقافة في مجلس التعاون الخليجي، كي تنظم العمل المشترك، في المحافظة على الثقافة الخليجية، تلك التي ترتبط ارتباطا وثيقا مع بعضها البعض في كل الدول الخليجية.
ولأن الإدارة الثقافية في مجلس التعاوني الخليجي يقع عليها العبء الأكبر في المحافظة على الثقافة الخليجية، فإن هناك خطوات مهمة يجب أن تتخذ في هذا الشأن، أهمها تكثيف العمل والتقييم، والحرص على تبادل وجهات النظر، وتكليف المتخصصين بإجراء الدراسات، التي من شأنها إبراز إرثنا الثقافي الخليجي، الذي هو جزء لا يتجزأ من إرثنا العربي والإسلامي.
وأذكر، في عام 2017 شاركت ونخبة من مفكرين وأدباء وأكاديميين خليجيين في ملتقى نظمته إدارة الثقافة في مجلس التعاون، في الرياض، واقترحنا أن يكون هناك تعاون ثقافي خليجي مستمر وبناء.
وهذا الاقتراح جاء في سياق دور الإدارة الثقافية، الذي لا يقتصر على تنظيم المؤتمرات، وعقد الاجتماعات، بل إن المسؤوليات كبيرة، والمهمات صعبة، حيث إن الشأن الثقافي من العلامات الفارقة في حياة الشعوب، وتقاس قيمة أي مجتمع وتحضره من خلال ما يظهر لديه من ثقافة.
ونحن - والحمد لله - في الدول الخليجية عامة نحظى بإرث ثقافي كبير، كما أن لدينا أدباء ومفكرين وعلماء كثيرين، ورغم ذلك نعاني من ضعف الترويج لهم، والتعريف بمكانتهم وأدوارهم في الثقافة الإنسانية على وجه العموم، في حين نجد مجتمعات أقل منا إرثا ثقافيا إلا أن عالمهم وأديبهم معروف ومتداول، لماذا؟ لأن هناك منظومة إعلامية تروج له، وتحاول فرضه على الواقع.
فرغم مكانة العديد من رواد الثقافة في الخليج، وهم كثيرون، إلا أن معظمهم غير معروفين ليس في المنطقة العربية بل بين الدول الخليجية، بمعنى أن الإرث الثقافي الخليجي في معظمه لا يجد من يروج له، ويظهره بصورته الحقيقية، فقد تجد أديبا مثلا من الكويت أو عمان أو البحرين لا يعرفه جمهور القراء في دول خليجية أخرى.
وهذا الانقطاع لا يخدم مستقبل الثقافة الخليجية، فالرابط الثقافي له أهميته التي لا يستهان بها في تكوين المفاهيم والقناعات المتعلقة بالمجتمعات.
وعلى أساس ذلك بات من الضروري على الإدارة الثقافية في مجلس التعاون الخليجي، أن تقوم بدورها المنشود في ربط الثقافة الخليجية بعضها ببعض، من خلال إيجاد آليات من شأنها أن تعزز هذه الروابط وتقويها، وهذا الأمر أصبح مطلبا ملحا خلال هذه الظروف الراهنة، التي تسعى فيها المجتمعات لتأكيد مكاناتها، ليس من خلال السياسة والاقتصاد فقط، ولكن من خلال الثقافة التي لها الدور الأكبر في هذا الشأن.