اكتشف بعض العلماء ظاهرة الاحتباس الحراري منذ نهاية القرن التاسع عشر ومنذ ذلك توالت الظواهر المؤيدة له بالظهور من موجات الحر والجفاف إلى حرائق الغابات والأعاصير وارتفاع منسوب المياه في المحيطات مهددا كثيرا من المدن الساحلية في العالم.
تم عقد أول مؤتمر للمناخ عام 1992 وتنوعت التعهدات من الدول الصناعية بالدرجة الأولى من مؤتمر إلى آخر وقد يختتم المؤتمر الحالي المنعقد في مدينة غلاسكو الاسكتلندية باتفاق دولي يشوبه كثير من التكتيك ويؤدي بالنهاية إلى نجاح محدود وربما انتكاسة لجهود وطموح نشطاء المناخ في العالم.
في اتفاقية باريس عام 2015 كان الهدف الرئيسي هو الحد من الاحتباس الحراري بحدود 1.5 درجة سيليزية من مستوى ما قبل العصر الصناعي وتعهدت في ذلك المؤتمر الولايات المتحدة والدول الصناعية بمساعدة الدول النامية للتكيف مع قرارات الاتفاقية بمبلغ 100 مليار دولا سنويا ابتداء من 2020 وهو الشيء الذي لم يتم إلى الآن وربما يتأخر للعام القادم او 2023. وتجادل العديد من الدول النامية بأن الدول المتقدمة يجب أن تتحمل مسؤولية القيام بالمزيد لأنها استفادت بالفعل من التسبب في انبعاثات تاريخية. وحتى لو التزمت الدول الصناعية بالوفاء بتقديم المبلغ المذكور فيبقى هناك مفاوضات معقدة تحتاج إلى حل أكثر من 130 مشكلة هندسية وبيئية واقتصادية واجتماعية، بالإضافة إلى القضية الرئيسية المتمثلة في إبقاء هدف حدود الاحتباس الحراري 1.5 درجة سيليزية على قيد الحياة.
وتحاول الدول الصناعية من البرازيل وإستراليا إلى الصين وأميركا التلاعب بمفاوضات المناخ من اجل تحويل تكاليف الالتزام بالاتفاقيات للدول النامية مع عدم الدفع الكافي لتحقيق الاهداف المرجوة. فالرئيس الصيني مثلا لم يحضر القمة واكتفي بالمشاركة أونلاين وهي الدولة صاحبة أعلى معدل انبعاث بالعالم، أما الرئيس الروسي فلاديمير بوتين فلم يحضر على الاطلاق. والرئيس الأميركي جو بايدن حضر بعد أربع سنوات من العداء المناخي مع الرئيس السابق دولاند ترامب. خلال الاجتماع الأخير لزعماء مجموعة العشرين الذي عقد مؤخرا في روما تعهد 12 منهم فقط بالوصول الى الحياد الصفري بحلول عام 2050 والصين والسعودية 2060، أما أستراليا فحددته مؤخرا بسنة 2060.
انتهى المؤتمر الأخير مؤخرا بنتائج مخيبة للكثير ومشجعة للبعض الآخر وكان لافتا للنظر الوزير ألوك شارما السياسي البريطاني الذي ترأس المؤتمر، فقد قاوم الدموع عندما أعلن عن «أسفه الشديد» بشأن صياغة اللحظة الأخيرة في الاتفاقية النهائية لـ «التخلص التدريجي» بدلا من «التخلص النهائي» من استخدام الفحم في التدفئة وإنتاج الطاقة.
الكل معترف بأن هناك العديد من التحديات التي تواجه نجاح مؤتمرات المناخ في كل دورة، ولكن هناك مشكلة أكبر من الـ 1.5 درجة، وهو التركيز على سبب وحيد لن يخلق بالطبع حلولا جوهرية توفر بيئة آمنة للبشرية. فهناك مجموعة مشتركة من التهديدات الوجودية لا يمكن للمؤتمر إيجاد حلول لها عند التركيز على سبب وحيد. فمشكلتنا هي التجاوز البيئي الخطر للبشر. فالعالم يستهلك موارد طبيعية أكثر مما هو متاح ويخلق نفايات أكثر يصعب للطبيعة امتصاصها بأمان مع خلق كثير من غازات الاحتباس الحراري. فإذا استمر هذا التجاوز لفترة طويلة جدا فإنه سوف يحد من قدرة الطبيعة على الاستمرار في تقديم المستويات المطلوبة من التجديد وعندها فإن انهيار الأنظمة البيئية أمر لا مفر منه.
نحن بحاجة إلى استهلاك أقل وتقليل النفايات لدينا بشكل كبير فقد سمحت لنا أنواع الوقود الأحفوري باستهلاك الموارد أكثر وخلق نفايات أكثر، حيث يستخدم البشر حاليا نحو 100 مليار طن من المواد الخام كل عام، وهي في ازدياد ومعظم هذه المواد الخام غير متجددة. هذا يمثل على الأقل 100 ضعف أكبر من مجتمع ما قبل الصناعة وخلال عشرين سنة فقط زاد الاستهلاك الشخصي للموارد الطبيعية بحدود 50% والمؤشر في صعود مستمر يصعب معه قدرة الطبيعة على تجديد نفسها. كذلك ان النفايات التي ننتجها اليوم أدت إلى وجود جزيئات نفايات ضارة ليس فقط في التربة والهواء والماء، ولكن أيضا في الأنسجة البشرية.
إن التوسع في استهلاك الطاقة أدى إلى انبعاثات غازات الوقود الأحفوري بصورة كبيرة، مما ادى إلى تلوث المحيطات والذي يعتبر تهديدا خطيرا لكامل السلسلة الغذائية للحياة البحرية، بالإضافة إلى تدهور العديد من أنواع الأسماك والطيور بسبب الصيد الجائر. هذه التأثيرات نتيجة مباشرة للطلب المتزايد على الأغذية والمنتجات الزراعية والتي ينتج عن الإفراط باستخدامها نفاذ العناصر الكيميائية من التربة وتآكلها وتدمير الخصوبة فيما تبقى منها.
تهديد آخر هو تلوث موارد المياه العذبة إن وجدت وأما الدول التي لا توجد بها مصادر طبيعية للمياه فالمشكلة أكبر حيث تحتاج إلى تحلية مياه البحر المكلفة ماديا وبيئيا. فحتى عند توافر المال والطاقة لهذه المشاريع فهي تحتاج الى تقنيات أحدث مما عليه الآن لتكون مستدامة.
هذه بعض من التهديدات الوجودية للبشر اليوم، فإذا تم التركيز على قضية المناخ بمعزل عن هذ التجاوز البيئي فلن يتم التوصل إلى حلول مستدامة وستفشل قضية المناخ برمتها. ما نحتاج إليه يتجاوز التعهدات التطوعية بخفض الانبعاث من بعض الدول إلى التفكير أولا في كيفية تقليل حاجتنا من الطاقة مع الحفاظ على مستوى الرفاهية بل وزيادتها. فحتى لو استخدمنا مصادر نظيفة للطاقة فيجب تقييد استخدامنا للطاقة مع إيجاد حلول أكثر كفاءة فأي استخدام للطاقة مهما كان مصدرها فسيكون له تأثير بيئي، وكلما استخدمنا المزيد من الطاقة زاد تأثيرها على البيئة. والسؤال المهم للكويت والذي يجب التركيز والتخطيط له ما المزيج الصحيح الذي نحتاج اليه من نسبة زيادة عدد السكان ونسبة زيادة الاستهلاك وباستخدام مصادر متنوعة للطاقة الذي يسمح بمجتمع رفاهية مستدام أن ينتقل إلى الأجيال القادمة؟
أ.د. سرور العتيبي أستاذ الهندسة - جامعة الكويت
Email: [email protected] Twitter: @SorAlotaibi