كلما دعمت العملية التربوية بالمادة انحدرت القيم، فمن الظواهر التربوية الحديثة، حفلات تخرج المرحلة الثانوية في قاعات الفنادق، إنها ظاهرة ابتدأت منذ سنوات ليست بالقليلة، إنها حفلات ليست من تنظيم المدرسة وإنما من قبل مجموعة طلبة تم تشجيعهم ودعمهم من قبل أسرهم، بتكلفة تقدر من 100 - 150 دينارا للفرد الواحد، مما يضطر البقية من أولياء الأمور إلى دفع المبلغ من أجل الحفاظ على شعور الابن أو الابنة من النقص أمام زملائهم، حيث الفعاليات والتنسيق الداخلي للحفلة يعتليه اللهو الزائف، فإلى أين يسير أبناؤنا الطلبة؟، وأين دور الآباء والأمهات التربوي في بناء فكر أبنائهم، وأين دور وزارة التربية في المساهمة في منع تلك الحفلات حفاظا على السلوك التربوي للطلبة؟
إن دور الغالبية من الأسر اليوم بات ضعيفا في بناء شخصية قويمة في اتجاهاتها وفكرها، وقوة ذلك ينعكس ببلورة ثقافة مجتمع بأكمل، وخطورة ذلك الأمر لا يستهان به، فهو تصرف له أبعاده الاجتماعية والنفسية الخطيرة التي تنعكس على الجيل الحالي فيقلب الموازين التربوية لجيل قادم، ومن الآثار السلبية المنعكسة من ذلك التصرف:
- هوس التكلف في المناسبات والبعد عن البساطة.
- الخوف من النقص الاجتماعي.
- الإسفاف في توافه الأمور.
- تعزيز الشخصية النرجسية التي لا تقبل بالقليل، والتي تسعى للكثير من الإعجاب، والأنانية، والتي ينعدم لديها التعاطف مع الآخرين، وهي شخصية هشة معرضة للانتقاد.
- ضعف الوازع الديني لانعدام تغذية الفكر بالثقافة الإسلامية.
- تشتت الأهداف وضياعها.
- الاتكالية وعدم الشعور بالمسؤولية.
- الخروج عن دائرة التواضع والدخول في دوامة الاستعلاء في المكانة الاجتماعية الوهمي.
- التذبذب الاجتماعي في اتخاذ القرارات.
- تعزيز المادية.
إن المفهوم التنموي لا يقتصر على الإدارة والبنى التحتية للبلد وإنما سنام ذلك كله هو صناعة الإنسان، والتي من خلالها تصنع الثقافة المجتمعية القوية في نهجها وأهدافها ورؤيتها، حتى يتمكن الوطن من النهوض بالمستوى الحضاري المطلوب، فتلك الظاهرة لربما القارئ يقول بينه وبين نفسه إن جميع ما سبق كان مبالغا فيه، ولكنه حقيقة ودلائل ملموسة نتيجة التساهل بصغار الأمور التي تنتج عنها تضارب القيم وذلك يجري على جميع السلوكيات التربوية الملتوية.
فقد خرجت الأسرة اليوم عن دائرة السيطرة وعن دائرة الأهداف التربوية لأفرادها، حيث تلك الحفلات التي تتميز بالمغالاة، وغيرها من السلوكيات الشبيهة لها هي سبب لغرس المادية التي حولت الناس إلى وحوش فساد بكل أشكاله، إن التربية الصالحة ليست في الإشباع المادي العشوائي، وإنما في التغذية السليمة للفكر الصانع للثقافة.
إن السلوكيات التربوية التي يستسهل بها الآباء لأبنائهم ما هي إلا بارود قابل لإشعال ظاهرة اجتماعية لها أبعاد نفسية وخيمة لا يمكن السيطرة عليها في المستقبل، ومنها التقليد الاجتماعي الذي أصبح مرضا معديا، إن لم يعالج بتغذية الأبناء بالفكر القويم فلن يجدر بالمجتمع السيطرة على هذا الوباء الاجتماعي، فالشراكة التربوية ما بين الأسرة والوزارة واجب تحتمه المصلحة الوطنية.
LinesTitle@