يبدأ فيلم «House Of Gucci» بشكل واعد، حيث يقدم آدم درايفر وليدي غاغا وآل باتشينو أداء رائعا يبرز التعقيد العاطفي لعائلة «غوتشي» المختلة تاريخيا. ويركز المخرج ريدلي سكوت بشكل كبير على تتبع سقوط الشركة ومكائدها العائلية بدلا من التركيز على الانهيار الشخصي الأكثر إقناعا لـ «باتريزيا» و«ماوريتسيو»، حيث يتم إعطاء الكثير من المشاهد لشخصيات ومشاهد جانبية بدرجة مفرطة، مما يقلل من قوة القصة المأساوية وانشدادنا تجاه المصير الذي ينتهي بهم جميعا.
من الصعب معرفة ما يمكن توقعه من «House Of Gucci» فمع عروضه الدعائية التي تعود إلى حقبة الثمانينيات وطاقم الممثلين المثير للإعجاب بلكنته الإيطالية، يمكن أن يكون هذا الفيلم أي شيء، ابتداء من كوميديا سوداء ووصولا إلى دراما شبيهة بسلسلة أفلام «الأب الروحي»، لكن مادام الفيلم بين يدي المخرج ريدلي سكوت فإن الاحتمالية الثانية هي الأغلب، وفي حين أن هذا بالتأكيد يحترم القصة الحقيقية القاتمة في صميمها، إلا أن المخرج يترك المسألة تصبح جادة ومظلمة للغاية في نهايته الملتوية لدرجة تركت المشاهد يتوق للفيلم الأفضل المدفون داخل هذه القصة في مكان ما.
يستخدم السيناريو، الذي يأتي من تأليف بيكي جونستون وروبرتو بينتيفينيا، كتاب «سارة جاي فوردن» لبناء هذا العمل، فهي قصة مقتل الرئيس السابق لدار أزياء غوتشي ماوريتسيو غوتشي (آدم درايفر) على يد زوجته السابقة باتريزيا ريجياني (ليدي غاغا).
مع اختيار غاغا بدور «باتريزيا»، قد يتوقع المرء أن وجهة نظر العمل ستكون من منظورها، لكن للمفاجأة لم يكن الأمر كذلك، ففي حين يبدأ «House Of Gucci» وينتهي مع «ماوريتسيو» يوم مقتله، فإن القصة مبعثرة للغاية في محاولة لخدمة طاقم الممثلين الكبير فيه لدرجة أنه ليس من الواضح أي نسخة من الأحداث بالضبط يسرد الفيلم، الجزء الأكثر نجاحا فيه هو الدقائق الـ 45 الأولى منه، وفيه يقدم المخرج سكوت لقاء سريعا ورومانسيا ومثيرا بين «باتريزيا» و«ماوريتسيو» سنة 1970، وهي طريقة لطيفة بشكل غير متوقع لافتتاح الفيلم وتجعلنا نتعاطف مع كل من «باتريزيا» و«ماوريتسيو» عندما يلتقيان بطريقة لطيفة في حفل صديق مشترك، ويقدم لنا درايفر شخصية «ماوريتسيو» بطبيعته المبهجة والخجول اجتماعيا بشكل غير متوقع، وهو الشخص المثالي لشخصية «باتريزيا» الواثقة من نفسها التي تؤديها غاغا، وهذا التناقض الكبير بين شخصيتيهما يحفز لقاء ساحرا ومشتعلا للحظة، وهو ما يؤسس الشخصيات ومشاعرنا تجاهها قبل التحول إلى أقاربه آل غوتشي.
يضطر الثنائي للدخول في دوامة عائلته المشهورة عالميا عندما يرفض والده رودولفو غوتشي (جيريمي آيرونز) باتريزيا واعتبارها طامعة بأموالهم ويقطع الإرث عن ابنه لأنه يريد الزواج منها في النهاية، ومن خلال جلسات العشاء العائلية، التي تم تصويرها بشكل جميل، والمحادثات في الفناء داخل وحول عقارات غوتشي الضخمة، يقوم سكوت بعمل جيد في إعداد العلاقات الديناميكية الضمنية بالمحظورات والمسموحات في القصة، وكيف أنه يتم تنسيق حياة «ماوريتسيو» دائما وراء الكواليس على أيدي الرجال في عائلته.
لكن «باتريزيا» غير راضية بهذا القرار، لذا فهي تحثه على قبول مبادرة عمه ألدو (آل باتشينو) للعودة إلى العائلة، فمع وجود وريثين فقط من الذكور لتولي مسؤولية الشركة، يعرف «ألدو» أن ابنه الأحمق باولو (جاريد ليتو) فاشل وأن «ماوريتسيو» هو خيار العائلة الوحيد للحفاظ على إرثهم قويا، إلا أنه مجرد بيدق تحركه زوجته وأقاربه من أجل السيطرة، وهذا هو المكان الذي يبدأ فيه الفيلم بالانحراف عن مساره، ربما لأن سكوت قام بعمل جيد في الفصل الأول في جعل الجمهور يتعاطفون مع «باتريزيا» و«ماوريتسيو»، فليس من المنطقي أن تظهر «باتريزيا» نفسها على أنها طامعة انتهازية بالثروة، وتملك طموحا اجتماعيا وماليا يفتقر له زوجها بالكامل.
تقدم ليدي غاغا أداء ساحرا بدور «باتريزيا» حتى عندما تستخدم قريبه وعمه كبيادق للعمل لصالحها، لكن لا يوضح السيناريو سبب تفضيلها لهذا المسار على زوجها، لذلك يترك لنا الأمر لتخمينه، مما يجعلها تبتعد أكثر فأكثر كشخصية قابلة للتواصل، ثم ينتقل كل التعاطف إلى «ماوريتسيو»، حيث يضطر للتحول إلى الرجل البارع بالحسابات الذي لم يرغب أبدا في أن يكونه، وهو مدرك طوال الوقت للفساد الأخلاقي الذي يأتي مع المال والسلطة في عائلته، إنه كسمكة خارج الماء في هذا العالم، غير مستعد للعيش فيه حقا، لكنه عاجز عن ردع خطط «باتريزيا»، ومع مرور الوقت، يقوم «سكوت» بتنحية زواجهما نوعا ما، ويضحي بالحميمية في علاقتهما من أجل الصورة الأكبر للدراما العائلية، وبسبب ذلك تتحول «باتريزيا» و«ماوريتسيو» إلى أشباح لشخصيتيهما.
ومع تفكك العلاقة، تصبح «باتريزيا» آلة من العواطف، تنفجر بالغيرة أو الغضب بينما يبتعد «ماوريتسيو» عنها أكثر فأكثر، الأمر الذي يستحق النظر في سلوكها، ومع شخصيتها الإيطالية المزدرية، فإنها تعتمد بشكل متزايد على جوزيبينا أورييما (سلمى حايك) التي لا يتم استغلالها بشكل كاف في الفيلم ويتم تهميشها، في حين يتطور «ماوريتسيو» إلى الرجل الذي أرادته زوجته السابقة أن يكون، فيتخذ قرارات قاسية بالأعمال والتي تضع «ألدو» في السجن بتهمة الاحتيال الضريبي.
يبرع كل من «درايفر» و«باتشينو» في التعامل مع شخصيتيهما، ويتألقان بتنفيذ قصة الرجلين اللذين يمثلانهما، سواء بالصعود أو الانهيار على التوالي، في أدوارهما ضمن العائلة أو الأعمال بطرق يتردد صداها لدى المشاهد، ويقدم باتشينو أداء موزونا بشكل مفاجئ، حيث يقدم بشكل واقعي دور الذكر الإيطالي المسيطر.
الساعة الأخيرة من«House of Gucci» كانت غير ممتعة، فقد ركز المخرج سكوت على أشياء غريبة بلقطات لا علاقة لها بما سبق مثل جلسات تصوير لـ «ماوريتسيو» أو طيور «باولو»، ويتم اختزال «باتريزيا» إلى مشاهد قليلة، مما يعني أن تصعيدها لتنفيذ عملية قتل لا يوضع في سياق مقنع باستثناء نوبات الغضب الكرتونية، مما يؤدي إلى ذروة أحداث باردة وعديمة الإحساس لأن الفيلم لم يعد مهتما بتقديمها كشخص مجسد بشكل متكامل، وبعد ذلك ينتهي الفيلم بشكل مفاجئ وبدون أي دراما مما يعطي شعورا كبيرا بالفراغ والإحباط.
ولو اتخذ سكوت قرارا بقص ما لا يقل عن 45 دقيقة وإضافة وتيرة من الإثارة لتصوير عملية قتل «ماوريتسيو» وهوس «باتريزيا» للانتقام، فلربما كان «House of Gucci» فيلما أفضل بكثير، لكن بدلا من ذلك، تعمق سكوت أكثر من اللازم بصراع آل غوتشي للحفاظ على شركتهم، مما سلب الطابع الشخصي من العمل.