قلة من الدول شهدت عاما مضطربا مثل الذي شهدته أفغانستان سنة 2021، مع إعادة حركة طالبان السيطرة على البلاد الغارقة في أزمة إنسانية متفاقمة خصوصا مع اقتراب الشتاء القارس.
سيطرت حركة طالبان المتمردة على البلاد في منتصف أغسطس بسرعة كبيرة فاجأت الجميع، حتى الحركة نفسها لدرجة أن الكثير من الأفغان مازالوا يتساءلون عما حدث بالضبط وعما سيحمله المستقبل.
ستطبع ذاكرة العالم لفترة طويلة بمشاهد الأفغان الذين يسقطون من سماء كابول بعدما حاولوا عبثا التمسك بعجلات آخر طائرات الإجلاء للفرار من النظام الجديد والبؤس.
بالنسبة إلى طالبان، يتمثل التحدي الرئيسي في تحويل تمرد مقاتلين غير متعلمين بمعظمهم إلى إدارة قادرة على قيادة بلد معقد ومتنوع.
وبالنسبة إلى الغرب، بقيادة الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي، ثمة خوف مزدوج، من رؤية البلاد تنزلق أكثر إلى براثن البؤس ما يدفع عشرات الآلاف من الأفغان إلى الفرار من البلاد، وأن تعود أفغانستان مرتعا لجماعات إرهابية مثل تنظيم القاعدة.
أما بالنسبة إلى المواطنين، سيكون الحصول على الغذاء والمسكن والعمل أولوية، فيما تتحمل النساء خصوصا وطأة السياسات الاجتماعية القمعية لطالبان والتي كانت سائدة خلال حكم الحركة في التسعينات.
وقالت المحللة كايت كلارك في تقرير نشرته شبكة «أفغانستان أناليستس نتوورك» إن «عواقب تغيير النظام كانت فورية وكارثية». وأوضحت أن الانتصار العسكري أتى سريعا جدا لحركة طالبان «التي لم يكن لديها خطط لإدارة البلاد من دون مساعدة خارجية».
وقالت «عندما كانت حركة متمردة، فرضت ضرائب على سكان المناطق التي تسيطر عليها، وتركت الخدمات العامة في أيدي الحكومة ومنظمات غير حكومية» ممولة إلى حد كبير عبر مساعدات دولية.
وأضافت «هي الآن في السلطة... على رأس دولة ذات دخل منخفض بشكل كبير، فيما يجب أن تهتم بمجموعة كاملة من السكان» الذين يعدون قرابة 40 مليون نسمة.
يشكل انهيار الإدارة من أكبر المشكلات التي تواجه طالبان. ونقل أكثر من 120 ألف أفغاني جوا من مطار كابول في الأسابيع الأخيرة الفوضوية للوجود الأميركي في أواخر أغسطس. وهم بغالبيتهم أشخاص عملوا مع دول أو شركات أجنبية لإدارة مليارات الدولارات من المساعدات لمدة 20 عاما التي دعمت ميزانية الدولة إلى حد كبير.
الآن، لا يمكن لحكومة طالبان المحرومة من هذه المساعدة، الاعتماد إلا على مواردها الخاصة والضرائب وعائدات الجمارك خصوصا.
وهي أعلنت في نهاية نوفمبر أنها ستدفع رواتب الموظفين الحكوميين الذين لم يتلقوا أي راتب منذ أشهر، وهو أمر ثبط عزيمة كثر بينهم.
وقال حضرة الله وهو موظف كبير في وزارة الخارجية فضل عدم كشف اسمه الكامل «أذهب إلى المكتب كل صباح، لكن لا يوجد شيء أفعله. في السابق كنت أتفاوض على اتفاقات تجارية مع الدول المجاورة. لكن الآن ليس لدينا أي تعليمات، لا أحد يعرف شيئا».
في الكثير من الوزارات، قلة من مسؤولي طالبان تعرف طريقة استخدام الكمبيوتر على ما يبدو.
وتجد طالبان صعوبة في إقناع الداخل والخارج أنها ستكون أكثر انفتاحا مما كانت عليه في ظل حكمها السابق بين عامي 1996 و2001 عندما اضطهدت النساء وعاقبت معارضيها بقسوة.
في المدن، تمنح الحركة مزيدا من الحرية: فالنساء، على سبيل المثال، لم يعدن مجبرات على ارتداء البرقع أو حصولهن على مرافق للخروج.
لكنها تعطي إشارات أخرى أكثر إثارة للقلق: باستثناء الخدمات الصحية، لم تعد الموظفات الحكوميات إلى المكاتب. كذلك أعلنت طالبان إعادة فتح المدارس الإعدادية والثانوية للذكور، مستثنية الإناث.
وفي حين أقلق تغيير النظام الأفغان المتعلمين في المدن، حمل إلى الكثير من المناطق الريفية المحافظة والمؤيدة للمتمردين ما كانت تنتظره منذ 20 عاما: إنهاء القصف الغربي والسلام.
لكن فترة الراحة لم تستمر طويلا، إذ سرعان ما وجدت طالبان نفسها في مواجهة أوسع مع تمرد تنظيم داعش الدموي. إلا أن الوضع الاقتصادي للبلاد التي تعد واحدة من أفقر دول العالم والغارقة في المجهول مع وقف المساعدات الدولية، هو ما سيحدد مستقبلها ومستقبل الأفغان المهددين الآن بأزمة إنسانية كبرى.
تدق المنظمات الإنسانية ناقوس الخطر. وبالنسبة إلى الأمم المتحدة، فهو سباق مع الوقت: في بداية الشتاء القاسي، يواجه قرابة 23 مليون أفغاني، أو 55% من السكان، خطر المجاعة.
بتولي طالبان السلطة «قتلت الدجاجة التي تبيض ذهبا» وفقا لكايت كلارك، لأن اليوم «دخلها أقل بكثير» من دخل الحكومة السابقة. وتبدو المفاوضات بين طالبان والدول الأجنبية لإعادة بعض المساعدات صعبة وحساسة.
تريد الدول المانحة تجنب التعامل مع نظام منبوذ على المستوى الدولي لم يعترف به أي بلد. وتعتقد طالبان أن انتصارها واضح بما يكفي لعدم اضطرارها لتقديم تنازلات في المقابل، خصوصا فيما يتعلق بحقوق المرأة.
على المستوى المحلي، تمكنت بعض المنظمات غير الحكومية من تجاوز سلطات طالبان لتوزيع القليل من المساعدات على من هم في أمس الحاجة إليها.
لكن على المستوى الوطني، لا يمكن لطالبان أن تعكس صورة عن قوة خاضعة للخارج، وهي مصرة على السيطرة على كل المساعدات، وهو أمر يقلق الكثير من الدول المانحة.
كل ذلك لا يدفع إلى التفاؤل بمستقبل هذا البلد الذي دمرته حرب مستمرة منذ أكثر من 40 عاما.
بالنسبة إلى كلارك، فإن «الفوائد الاقتصادية للسلام ستبقى هامشية مقارنة بالضرر الناجم عن فقدان المساعدات الخارجية والعزلة التي تواجهها أفغانستان الآن».