دخلت ليبيا المرحلة الحاسمة من الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 24 ديسمبر الجاري والتي عرف مرشحوها بالفعل، لكن استمرار الخلافات بين المعسكرات المتنافسة والتوترات على الأرض تلقي بظلال من الشك على إجرائها.
نظريا، يبدو أن البلاد مستعدة للخطوة الكبيرة المرتقبة إلى الأمام في انتقالها السياسي الطويل بعد عقد من الفوضى. وهذا ما يريد المجتمع الدولي تصديقه، وقد دعا في مؤتمر دولي حول ليبيا عقد في باريس منتصف نوفمبر الماضي، إلى إجراء انتخابات «شاملة» و«ذات مصداقية»، وهدد بفرض عقوبات على كل من يقف في طريق تحقيق ذلك.
وتؤكد المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا استعدادها «لتنظيم» الانتخابات الرئاسية. ونشرت القائمة الأولى للمرشحين، وتقوم حاليا بتوزيع بطاقات الناخبين، ما يجعل العملية تبدو «طبيعية» إلى حد ما.
لكن عمليا وعلى أرض الواقع، تظهر صور وتقارير لاسيما تلك الواردة من جنوب البلاد، وتحديدا سبها، أكبر مدن المنطقة، أن العملية الانتخابية تسير في «حقل ألغام» لا يمكن فيه التنبؤ بمصير عملية سياسية بدأت قبل عام تقريبا على أساس خارطة طريق تنص على إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية.
أول مشاهد الحالة «المفخخة» للعملية الانتخابية في ليبيا تمثل في إقدام قوات المشير خليفة حفتر، على قطع الطريق إلى محكمة سبها لمنع سيف الإسلام القذافي نجل معمر القذافي، من الاعتراض على رفض ترشيحه الذي اتخذته مفوضية الانتخابات، والذي عاد الى السباق الرئاسي بعد قبول المحكمة طعنه في قرار استبعاده.
وقالت الحكومة الليبية المؤقتة في بيان انها «تتابع بقلق بالغ» هذه التوترات، من دون أن تتمكن من التدخل. وتعجز الحكومة التي تتخذ من طرابلس مقرا عن ضبط سلوك قوات حفتر، في ظل عدم توحيد القوات العسكرية الليبية بعد، وسيطرة هذه القوات فعليا على شرق البلاد وأجزاء مهمة من الجنوب.
وفي منتصف نوفمبر الماضي دعا وجهاء من مدن عدة خصوصا في الغرب، إلى مقاطعة الاقتراع. كما دعا عدد من المكاتب المواطنين الى سحب بطاقاتهم الانتخابية تحت ضغط من جماعات معادية لترشيح سيف الإسلام الذي قتل والده خلال ثورة شعبية في البلاد عام 2011.
«هشة للغاية»
ومع بدء العد التنازلي لأول عملية انتخابية لرئيس دولة في تاريخ ليبيا منذ نيل استقلالها في خمسينات القرن الماضي، أصدرت محكمة استئناف طرابلس الأربعاء الماضي حكما لصالح عبدالحميد الدبيبة رئيس الوزراء ورفضت طعنين بحقه وأعادته إلى قائمة مرشحي الانتخابات الرئاسية، وفق ما ذكرت وسائل إعلام محلية.
وقدم الطعون فتحي باشاغا المرشح المنافس وعدد من الشخصيات الأخرى بدعوى أن الدبيبة لم يتقدم بما يفيد توقفه عن العمل قبل 3 أشهر من تاريخ الانتخابات، بحسب لائحة قانون الانتخابات الرئاسية.
وسلمت بطاقات الناخبين لنحو 2.4 مليون ليبي من أصل أكثر 2.8 مليون مسجلين. ويبلغ عدد سكان البلاد سبعة ملايين.
ويقول الباحث جلال حرشاوي المتخصص في الشؤون الليبية إن فرص إجراء الانتخابات في الموعد المحدد «قليلة جدا».
كما أن العملية الانتخابية «هشة للغاية وغير مكتملة وفيها خلل، ومؤسسات طرابلس تعاني من الانقسامات السياسية»، معتبرا أن «العنف والاستقطاب سيستأنفان قبل 24 ديسمبر».
وكان وزير الداخلية الليبي خالد مازن أكد على أن استمرار انتهاكات عملية تأمين الانتخابات، سوف ينعكس على الالتزام بموعدها.
وأشار مازن في مؤتمر صحافي إلى أن الاعتداءات الحاصلة في العملية الانتخابية لم تكن «وليدة، ومورست ضغوطات على كوادرنا مؤسساتنا، لكننا آثرنا ضبط النفس وعدم التصعيد الإعلامي».
انعدام الأمن
وتلخص كلوديا غازيني الخبيرة في مجموعة الأزمات الدولية أن أساس كل هذه المشاكل «وجود قانون انتخابي غير واضح»، مع «تناقضات». كما تحوم شكوك حول قدرة السلطات على حماية مراكز الاقتراع.
فعلى الرغم من التقدم السياسي المسجل منذ توقيع وقف إطلاق النار بين المعسكرين المتناحرين (سلطات الشرق وسلطات الغرب) في أكتوبر العام الماضي، لايزال الأمن غير مستقر، في ظل استمرار وجود مجموعات مسلحة ومرتزقة أجانب.
ويقول حرشاوي «لا يتوهم أحد أن الأمن سيكون مضمونا في جميع مراكز الاقتراع في هذا البلد، بحجم يصل إلى ثلاثة أضعاف فرنسا».
ويتابع «في كل السيناريوهات، سيكون هناك تزوير ومقاطعة وحصار وترهيب للناخبين واشتباكات، أكثر السيناريوهات تفاؤلا هي تلك التي لا تكون فيها هذه المخالفات مذهلة أو ضخمة للغاية».
وعلى الرغم من خطورة الوضع والمخالفات التي اتسمت بها عملية التهدئة الهشة، يواصل المجتمع الدولي المراهنة بكل شيء على الانتخابات لإنهاء فوضى سياسية وأمنية في بلاد غنية تواجه خطر الانقسام وتفاقم التدخلات الأجنبية.
وتقول كلوديا غاتزيني «من وجهة نظر تنظيمية وتقنية وقانونية، احتمال (تنظيم الانتخابات) منخفض للغاية، لكن تحالفا على المستوى الدولي يواصل القول إنه يجب تتم في 24 ديسمبر».