إعادة البناء انطلاقا من الصفر، معركة جديدة تبدأ في جنوب أفغانستان على أنقاض خط الجبهة سابقا بين حركة طالبان والقوات الحكومية.
واقفا في منزله المهدوم، يشير جاويد (31 عاما) إلى نفق حفره مقاتلو طالبان هذه السنة داخل بيته للوصول إلى قاعدة للجيش الأفغاني ومهاجمتها.
لاتزال عائلته لاجئة في قرية أخرى بانتظار أن يصبح بالإمكان إعادة بناء منزلها، غير أن الرجل لم يعد يملك المال لذلك، بعدما اضطر إلى اقتراض 160 ألف أفغاني (1500 يورو) لترميم متجره الصغير.
يقول متوسلا «إننا بحاجة إلى المنظمات غير الحكومية وإلى الحكومة، وإلا فلن يكون بإمكان عائلتي العودة، هذا أملي الوحيد».
تحتل قريته آرزو موقعا إستراتيجيا بين غزنة، إحدى المدن الكبرى في الجنوب الأفغاني، والمناطق القبلية في باكستان التي تشكل قواعد خلفية لطالبان، ما جعل منها خط جبهة على مدى سنوات.
سعيا للدفاع عن القرية التي تشكل ممرا إلى غزنة، أقام الجيش فيها خمسة مواقع كان طالبان يهاجمونها، مختبئين في منازل المدنيين.
يروي جاويد «كان هناك إطلاق نار ليل نهار، ومنزلنا كان في الوسط». وبعد أكثر من عام من المعارك المتواصلة، غادر آخر سكان القرية في يونيو. وبعد شهرين، سقطت البلاد بكاملها في قبضة طالبان وانتهت الحرب.
يقول عبد الباري أرزوي أحد وجهاء القرية أن مائة من أصل 800 عائلة كانت تسكن منازل الطين في وسط آرزو لم تعد حتى الآن.
هدمت القرية بكاملها في الحرب، ولم يقتصر الدمار على المنازل، بل شمل كل سبل العيش فيها، بدءا بالحقول فالمواشي.
وقال أحد السكان نجيب أحمد أن القرويين «خسروا» 400 حقل، مؤكدا أنها لاتزال ملغمة بالرغم من عملية إزالة ألغام نفذها طالبان مؤخرا.
وتابع الرجل العجوز واقفا بين المنازل المهدمة «لم يعد بإمكاننا الزراعة أو العيش من تربية المواشي التي نفقت».
ولا يبدو أنهم سيتلقون إي مساعدة من أي جهة، في وقت توقفت المساعدة الدولية التي كانت تدعم الميزانية الأفغانية، وفيما حذرت الأمم المتحدة من أن المجاعة تهدد هذا الشتاء حوالي 23 مليون أفغاني يشكلون نصف سكان البلد.
وقال نجيب أحمد إن ممثلين عن برنامج الأغذية العالمي قدموا مؤخرا إلى آرزو حيث وزعوا الأرز والزيت على 200 عائلة، إن القرية تعد 3500 عائلة بشكل إجمالي.
وتابع «لم يعد لدينا سبيل آخر للعيش والعديد من العائلات عليها ديون».
ومع نفاد أي مؤن للشتاء، يبحث البعض عن عمل يومي في ورش غزنة القريبة، فيكسبون قوتهم كل يوم بيوم.
وذكر أحمد أن 1500 شاب ورجل رحلوا منذ ستة أشهر ساعين لكسب قوتهم في باكستان أو إيران.
كما يبحث غلام محمد (38 عاما) عن عمل في ورش البناء، لكن ما يكسبه لا يكفي لإعالة الأرامل والأطفال في عائلته. وقتل اثنان من أشقائه وابنه البالغ 18 عاما في الربيع الماضي في انفجار لغم، في حين بات شقيق ثالث له مقعدا. وإزاء هذه المصيبة، أصيبت والدته بالاكتئاب. ويقول بحسرة إنهم أيضا «لا يملكون ما يأكلونه هذا الشتاء». كل بيت في آرزو يحتضن مأساة.
ليلومة (55 عاما) خسرت ابنتها التي قتلت في تبادل إطلاق نار. أما زوجها، فأصيب برصاصة في رأسه لم تقتله، غير أنها تركته عاجزا عن العمل. هي أيضا لا تملك مالا لإعادة بناء منزلها الذي دمر في المعارك.
خلف البوابة الزرقاء التي تحمل آثار عشرات الرصاصات، يجلس التلاميذ في الصفوف بين نوافذ محطمة وجدران اخترقتها نيران المدفعية.
يحاول أستاذ البنات رفيع الله (65 عاما) جاهدا إبداء فرح لاستقبال تلميذاته مجددا، لكنه يعجز عن ذلك.
فهو يبكي ابنته التي قضت بالرصاص فيما كانت تغسل الملابس في حديقة المنزل. يقول «كانت مخطوبة، قتلت قبل أسبوعين من زفافها».
وقتل أربعون مدنيا في القرية ما بين ربيع 2020 وسيطرة طالبان عليها في يوليو الماضي.
ويحاول القرويون تفادي سقوط المزيد من القتلى، فيخرجون في البرد الشديد بحثا عن أسلحة متبقية وذخائر لم تنفجر، يلمون ما يجدونه ويخبئونه في حفرة وسط أرض خلاء.
يقول عبد الباري «نقوم بذلك لحماية الأطفال».