التواضع أمر إلهي ولا يأمرنا الله بشيء إلا ويعود بالخير علينا ولا ينهانا عن شيء إلا وفيه الضرر لنا، وهذه نعمة ومنة من المولى عز وجل تستوجب الحمد، والتواضع يكسب السلامة وبه تعم الألفة والمحبة بين الناس، ومثلما أن ثمرة القناعة الراحة فثمرة التواضع المحبة والتواصل، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: يقول الله تعالى «الكبرياء ردائي، والعظمة إزاري، فمن نازعني واحدا منهما أدخلته النار»، وفي رواية «قذفته في النار».
يقول الشاعر منصور بن محمد الكريزي:
ولا تمش فوق الأرض إلا تواضعا
فكم تحتها قوم هم منك أرفع
فإن كنت في عز وخير ومنعة
فكم مات من قوم هم منك أمنع
روى صاحب العقد الفريد بسنده قال: خرج عمر بن الخطاب ويده بيد المعلى بن الجارود العبدي، فلقيته امرأة من قريش فقالت له: يا عمر، فوقف لها فقالت: كنا نعرفك مدة «عمير» ثم صرت بعد عمير عمر، ثم بعد عمر أمير المؤمنين، فاتق الله يابن الخطاب، وانظر في أمور الناس فإنه من خاف الوعيد قرب عليه البعيد، ومن خاف الموت خشي الفوت، فقال لها المعلى: إيها يا أمة الله لقد أبكيت أمير المؤمنين، فقال عمر: أسكت يا معلى، أتدري من هذه ويحك؟ هذه خولة بنت حكيم التي سمع الله قولها من سمائه، فعمر أحرى بأن يسمع قولها ويقتدي به.
وذكر أن النجاشي ملك الحبشة أصبح يوما وهو جالس على الأرض، فأعظمت بطارقته ذلك، وسألوه عن السبب، فقال: وجدت فيما أنزل الله على المسيح: إذا أنعمت على عبدي نعمة فتواضع أتممتها عليه، وانه ولد لي هذه الليلة غلام فتواضعت شكرا لله، والكبر لا يكون في المرء حتى يتبعه الغرور والتيه والصلف والإعجاب بالنفس وأول من تكبر إبليس لعنه الله على آدم عليه السلام وآدم أفضل منه فكيف يرضى المسلم أن يتشبه بإبليس، قال رجاء بن حيوة: كنت جالسا عند عمر بن عبدالعزيز فخفت ضوء المصباح فقام إليه فأصلحه، فقلت: يا أمير المؤمنين هلا أمرت بإصلاحه؟ فقال: قمت وأنا عمر وجلست وأنا عمر.
ولنتدبر قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنة، قال: إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس (رواه مسلم والترمذي)، ودمتم سالمين.