في عام 1955 وبعد انتهاء الحرب الكورية، ظهرت على السطح مسألة حيرت العلماء ولغز عجز حله، حيث تم أسر 1000 جندي أميركي وضعوا في سجن توفر فيه كل سبل الراحة على خلاف السجون الأخرى بل حتى سور السجن كان أقل ارتفاعا عن غيره بحيث بالإمكان الهرب منه، ولم يكن السجانون يستخدمون أي وسائل تعذيب، كالضرب والتجويع.. إلخ، ولم تكن هناك أي محاولات للهرب، ولكن الأغرب في الأمر أنه في هذا السجن تم رصد نسبة حالات وفاة وانتحار أكثر من غيره من السجون! بعد سنوات عديدة من الدراسة اكتشف سر ذلك عالم نفس يدعى «ماير»، حيث ابتكر السجانون أسلوبا عجيبا في التعذيب النفسي من خلال التركيز على نقل «الأخبار السلبية فقط» وخلق أخبار كاذبة تغرق السجناء في وحل التشاؤم وفقدان الأمل، كما كانوا يجبرون السجناء على التحدث على سلبيات وأخطاء وأسرار زملائهم ومواقفهم المخزية في حياتهم لتكون حديث الساعة للتنمر والخزي والعار بينهم، ومن الأساليب القذرة أيضا كانوا يغرون السجناء مقابل نقل الأخبار والتجسس والوشاية على زملائهم للسيطرة عليهم بالسجائر والمشروبات الفاخرة والوجبات اللذيذة.
لقد سمعت عن صنوف الأساليب والطرق وضروب التعذيب فلم أر أشد مكرا من هذا الأسلوب وأعظم ضررا! ثلاث تقنيات شيطانية غاية في الخسة كانت تسقي السجناء الموت قطرة قطرة، كانت هي السبب في قتل معنويات الجنود وتحطيمها لدرجة ضرر وصلت الى الوفاة!
فالأخبار السيئة والاقتصار عليها كانت تعني أنه لا أمل لهم في هذه الحياة فأصبحوا يرون الحياة من منظور أسود قاتم، وهل هناك حياة من دون أمل! فمن يفقد الأمل يفقد كل شيء، وقد تكفلت تلك الوسائل بالقضاء على رغبتهم في الحياة، وتغلغلت كالسم في أجسادهم، في المقابل فإن الأخبار المفرحة والمبهجة بين البشر تعطي نقيض ذلك، فهي تزرع الأمل، وحب الحياة والتفاؤل بكل ما هو جميل وأفضل.. وأنا أقرأ هذه القصة من كتاب «المرحلة الملكية» للكاتب د.خالد المنيف، ربطتها بالواقع الذي نعيشه اليوم!، فأنا شخصيا أختار بحذر من أجالس ومن أتابع في وسائل التواصل الاجتماعي، حيث أهرب من الشخصيات السلبية، وأضع الرسائل صامتة لأخرى و«بلوك» للمزعج منها، حيث بالسابق يقول المثل «تبي تعرف فلان.. اسأل من ربعه»، اليوم الواقع يقول تبي تعرف فلان «لا تشوف تغريداته بس.. لأنه يمكن يكون أغلبها منقول»، لكن شوف منو يتابع، لكن أيضا هذا التحصين لم يمنع الحسابات التي تستهدف الشأن الكويتي على وجه الخصوص من إيصال رسائل بشكل يومي بالتركيز على الأخبار السيئة التي لا تمت للواقع الكويتي بأي صلة، حيث يركزون على تفاصيل أي جريمة تحصل، أو أي فيديو خادش لساقط أو يحمل كلاما مبتذلا، ويبثون الإشاعات وينشرون الأخبار الكاذبة تجبر هواتفنا باستقبالها ولو لم نكن تبعها!، وإذا وجدنا ما نفرح به أو نفتخر به، تجد من يحارب هذه الفكرة أو هذا الشخص الناجح أو هذا الحدث المبهج بالتنمر أو بالتشكيك!
هناك حرب إعلامية نفسية مدبرة لتخريب بيئة الحرية والتسامح الإيجابية والناجحة بالكويت، تغلغلت من باب الحرية نفسه وحسن الظن المفرط بالآخرين، يجب أن تواجه وزارة الإعلام وهيئة الاتصالات ذلك بشتى الطرق، ولا أقول إن الكويت المدينة الفاضلة ولكن أختم بعبارة قالها أستاذي المرحوم د.أحمد الربعي: «الوطن بحاجة إلى الرفق مثلما هو بحاجة إلى النقد والإصلاح والتقويم، أن نصلح بلدنا من دون أن نؤذيه... وأن نجتث الدمامل التي تطفو فوق وجهه من دون أن يراق دمه المحرم علينا جميعا».
***
المنطقة الحرة: أتقدم بأحر التعازي القلبية إلى أسرة آل صباح الكرام لوفاة الفقيد الشيخ دعيج الخليفة، صاحب القلب الأبيض الطيب المتسامح والمحب للجميع، سائلين المولى عز وجل أن يتغمده بواسع رحمته بالفردوس الأعلى من الجنة.
[email protected]