بقلم سفير جمهورية الصين الشعبية لدى الكويت لي مينغ قانغ
بمناسبة الذكرى الأولى لرحيل الشيخ ناصر صباح الأحمد الجابر الصباح
حل فصل الشتاء في الكويت حيث أصبح الجو باردا، واشتدت الرياح الباردة، لم أتمالك نفسي عن تذكر ما حدث في هذا اليوم قبل سنة واحدة من وفاة الشيخ ناصر الصباح، والذي توفي بعد أقل من ثلاثة أشهر من وفاة سمو الأمير الراحل الشيخ صباح الأحمد، وهكذا فقدت الكويت شيخا حكيما وحنونا، كما فقدنا صديقا مخلصا أيضا، والآن بالنظر إلى السماء الصافية خارج النافذة، أتذكر مجددا الشيخ ناصر الصباح مواهبه السياسية وأخلاقه الحميدة وصوته وابتساماته، وكل هذه تبقى دائما في ذهني.
كان الشيخ ناصر الصباح مهتما دائما بتنمية البلاد ورفاهية الشعب، ويتحلى برؤيته الاستراتيجية الفريدة بفضل فطنته السياسية الممتازة وخبراته التجارية المتوافرة، ومن أجل دفع اقتصاد الكويت إلى تحقيق تنمية أكثر صحة وتنوعا واستدامة، شارك الشيخ ناصر الصباح في العمل بنفسه كرائد الإصلاح ورسم مخططا تنمويا طموحا للكويت، كما أولى أهمية كبيرة لتطوير الثقافة العربية الإسلامية التقليدية فأسس دار الآثار الإسلامية في الكويت، وتولى رئاسة مجلس الإدارة لمركز الشيخ عبدالله السالم الثقافي ومركز الشيخ جابر الأحمد الثقافي، كل هذه الأماكن قمت أنا وزملائي بزيارتها، إذ يعتبر كلها نافذة مهمة لنا لمعرفة المزيد عن الثقافة العربية الإسلامية والتواصل مع الأصدقاء الكويتيين.
كان الشيخ ناصر الصباح صديقا للصين يولي أهمية كبيرة للتعاون مع الصين، وقد زار الصين عدة مرات خلال فترة عمله في الدوائر الحكومية، ففي يوليو 2018 زار الصين سمو الأمير الراحل صباح الأحمد وأعلن مع الرئيس الصيني شي جين بينغ عن إقامة شراكة استراتيجية بين الصين والكويت، ثم بعد خمسة أشهر، قام الشيخ ناصر الصباح برحلة خاصة إلى الصين بصفته المبعوث الخاص للأمير والنائب الأول لرئيس الوزراء ووزير الدفاع، للتباحث مع الجانب الصيني حول كيفية تنفيذ نتائج زيارة الأمير للصين لتعزيز المواءمة بين الاستراتيجيات التنموية الصينية والكويتية وتعميق التعاون العملي بين البلدين إلى حد أبعد.
وكان الشيخ ناصر الصباح يقدر التجربة التنموية في الصين تقديرا، وأعرب عن ترحيبه بأن تشارك الصين بنشاط في بناء المشاريع الكبرى مثل مشاريع «مدينة الحرير» و«الجزر الكويتية الخمس» و«ميناء مبارك الكبير» لخدمة التنمية في البلاد، وسبق أن قام بجولة تفقدية على ميناء يانغشان في المياه العميقة بشنغهاي، حيث حصل على فهم شامل لتخطيط وتصميم وتطوير النظام، والبناء الهندسي والتفاصيل الأخرى، وأعرب عن ثنائه على الفعالية والنظامية لعمليات المحطة المؤتمتة بالكامل في الميناء.
كان الشيخ ناصر الصباح يهتم بشدة بالثقافة الصينية، قائلا إن الثقافة هي التعبير العميق عن خصائص الأمة وروحها، وسبق له أن زار القصر الامبراطوري في بكين، حيث كان يشعر كأنه يجري حوارا عبر الزمان والمكان مع الأباطرة الصينيين القدماء عندما وقف في وسط القاعة الشاهقة مغمضا عينيه وكأنه يمكنه الشعور بنبض التراث الثقافي الصيني لآلاف السنين، وكما قيل إن «العلاقة بين الأمم تكمن في التقارب بين الناس، والتقارب بين الناس يكمن في تواصل القلوب»، فإن تقوية التبادلات الثقافية تعتبر قناة مهمة لتعزيز الروابط بين الشعبين، لذلك أعرب عن أمله في أن تقترب المسافة بين الشعبين الصيني والكويتي بل الشعب العربي من خلال تعزيز التبادل والتعاون الثقافيين.
وقام بنفسه بجمع العديد من الأعمال الفنية الصينية القديمة، وأهدى أحدها إلى الجانب الصيني خلال زيارته للصين، وفي نفس الوقت كان حريصا على تعريف الأصدقاء الصينيين بتاريخ وثقافة الكويت وشبه الجزيرة العربية والإسلام بكلماته المليئة بالثقة والفخر، وكان يحب التواصل مع الجماهير العاديين، إذ كان يتحدث مع أصحاب المتاجر ويسلم عليهم بحرارة عندما زار معبد تشنغهوانغ بمدينة شنغهاي، كما طلب مرارا وتكرارا من رجال الأمن المرافقين ألا يتدخلوا مع السياح المحيطين، وبالإضافة إلى ذلك، أحب المطبخ الصيني كثيرا، وتذوق أنواعا من أفضل الأطباق المحلية في بكين وشنغهاي، وأعجبه البط المشوي وسرطان البحر المشعر وغيرها من الأطباق كل الإعجاب.
أنا أتشرف بلقاء الشيخ ناصر الصباح عدة مرات فيها أعجبني لطفه ورقته وذهنه المنفتح واتزانه ورزانته، كما قال الصباح عدة مرات إن الكويت تعتز بعلاقاتها الطيبة مع الصين ودائما تعتبرها شريكا استراتيجيا مهما، والكويت معجبة بإنجازات التنمية التي حققتها الصين، وهي على استعداد للاستفادة من حكمة الصين لتحقيق تطلعات الشعب الكويتي نحو حياة أفضل بشكل أفضل.
من خلال هذا المقال، أود إحياء ذكرى الشيخ ناصر الصباح وأشكره على إسهاماته في بناء الكويت وتطوير العلاقات الصينية - الكويتية، ويصادف هذا العام الذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الديبلوماسية بين الصين والكويت، ونحن على استعداد لاتباع خطى أسلافنا والعمل مع أصدقائنا الكويتيين من أجل مواصلة تعزيز الصداقة بين البلدين ودفع العلاقات الصينية - الكويتية إلى مستوى جديد!.