كتاب «خارج المألوف» لمؤلفه الزميل الكاتب الصحافي د.حمد الجدعي، يعكس صورا حياتية وفلسفية تخص الإنسان في حله وترحاله، تلك التي ترسم له بعضا من الملامح التي من خلالها ربما يستطيع اجتياز الكثير من أزماته ومشكلاته، ومن ثم وضعه على الطرق الصحيحة التي بفضلها يتمكن من الوصول الى مبتغاه من السعادة والنجاح والطمأنينة في تفكيره.
والكتاب، الذي أصدرته «ذات السلاسل» وجاء في حلة أنيقة ويقع في 143 صفحة من القطع الصغير يدعو القراء الى التفكير المنطقي، من دون أن تبهره مثلا النجاحات، التي قد تكون قد حدثت عن طريق المصادفة، ومن ثم تخطي حالات الفشل، التي إن فكر فيها قد يجد بين طياتها وسائل النجاح.
ويدعو المؤلف في هذا الكتاب الى التفكير، بأشكال تختلف عن المألوف الذي اعتاد الكثير من الناس عليه، من خلال طرحه للأمثلة واستلهامه للمعاناة التي قد تصيب البشر، ثم وضع الحلول الواقعية لها، بعيدا عن التهوين أو التهويل، فالمؤلف يضع الفكرة ثم يتواصل معها خطوة بخطوة، من خلال آراء الفلاسفة وأقوال النابهين، من أجل التوصل الى حل ناجع ومتقن لها.
واختار الجدعي في كتابه الكثير من عناصر الحياة كي يدور في فلكها وعرضها على المتلقي في قوالب أدبية تارة وفلسفية تارة أخرى، مع استفادته من عمله الصحافي في تأكيد الآراء والحلول بأمثلة انسانية حية، ومن تلك العناصر الحياتية التي اختارها المؤلف لكتابه متواليات السعادة والتعاسة، ليعرضهما بأسلوب مختلف من خلال أسبابهما، وكذلك النجاح والفشل، والحقيقة والخيال، والثقة والتردد، والقناعة والطمع، والتطور والتخلف وغيرها.
كما تطرق الكتاب الى العادات والتقاليد، ومغالطات المنطق الإلكتروني، والقانون والأخلاق، والعنصرية، كما عرض أقوالا حية للفلاسفة والمفكرين، تصلح لكل زمان ومكان، والكثير من الأفكار التي تحتاج لأن يكون التفكير فيها خارج المألوف.
ويقول د. الجدعي في تمهيده للكتاب: أعلم أن بعض العبارات والمسائل التي تطرقت اليها في كتابي هذا، تعد من القضايا الكبيرة والعميقة، بل ان بعضها يحتاج الى كتب ومجلدات لتغطية كل جوانبها، وبعيدا عن تسطيح المعاني، والتهويل او التهوين، أريد التأكيد على أنني لم أنتق تلك المسائل على سبيل طرحها بصورة علمية، بقدر ما أنني أردت تناولها بنظرة الصحافي والكاتب، متقمصا دور المشخص الاجتماعي، لاعتقادي بأنها تلامس واقعنا الذي نعيشه، وهنا قمت بطرحها من خلال وجهة نظري الشخصية (غير المقدسة)، والتي قد تكون ناقصة، ولإيماني بأحقية الإنسان في قول ما يعتقد انه صحيح ويعبر عن نجواه.
وأضاف أن كل مقال أدرجه ضمن محتوى هذا الكتاب يهدف الى قيمة حرصت وفق إمكانياتي وقناعاتي على ايصالها لكم بصورة سهلة قدر الإمكان، آملا أن أكون قد وفقت في ذلك.
وعلى الغلاف الأخير للكتاب وضع جزءا من أفكاره بين فيه كيف بدأت فكرة هذا الكتاب، وفيها يقول: إن في عقولنا كهوفا لا تعشش فيها العناكب والخفافيش، إنما الأفكار والقناعات، وبغض النظر عن مدى صحتها أو الأخطاء التي تعتريها، إلا أن وجودها في أذهاننا في حالة ركود، مع صعوبة الاعتراف بالأخطاء التي نقع فيها، والحرص على أن نلقيها في ملاعب غيرنا، أو التحجج بالظروف والاحوال.
سيؤدي ذلك كله الى تفاقم المشكلة، وتضخمها، وبالتالي عدم القدرة على وضع حلول مناسبة لها.
ومن الحاجات الملحة البحث عن مداخل تسمح بالولوج إلى كهف عقل الإنسان، بغية استكشاف المفاهيم والمكتسبات والأفكار المختبئة، التي تسلك داخله في مراحل حياتية مختلفة، بهدف تبديلها أو تطويرها، تلك التي بفضلها نستطيع مواكبة زمن السرعة و«المشتتات»، فالتطور سنة الحياة، يسير بنا أو بغيرنا، ولن يتوقف... كما أن الاعتراف بالخطأ من أكثر الاشياء الصحيحة في ممارساتنا اليومية، ومن هنا بدأت فكرة هذا الكتاب.
مقولات لكل زمان ومكان
بينما وجه الكاتب د.حمد الجدعي إهداءه إلى كل صاحب فكر ورأي حر يريد من خلالهما ان يعمر الأرض، فإن ضمن كتابه مجموعة من المقولات بعد كل مقال تحمل خلاصة تجارب ورؤى سديدة تصلح لكل مكان وزمان ووضعها تحت عنوان «الخلاصة» ومنها:
٭ ليس كل ناجح يمكن الاقتداء به، وكل فاشل نتجاهل تجاربه... فربما يكون العكس صحيحا.
٭ قد تكون تجارب الناجحين غير قابلة للتكرار لأن ظروف الوقت والبيئة والقدرات الشخصية التي نجح فيها ليس بالضرورة ان تتكرر معك بالضبط، فكل نجاح له ظروفه الخاصة.
٭ مثلما تتغير المركبات الكيميائية، إذا تم مزجها ببعض، تتغير تركيبة عقل الإنسان عندما يكون مع مجموعة، وتظهر عليه صفات الجماهير من غير وعي.
٭ تصرفات الجمهور من المستحيل ان تكون مدروسة، إنما هي لحظية مبنية على انفعالات وعواطف يغلب عليها التحكيم العاطفي.
٭ الأفراد إذا اجتمعوا، وتحول وعيهم إلى وعي الجماعة، لا يريدون سوى أفكار ملهمة تبسط من قبل ناس أذكياء وكاريزما عالية الجودة، حتى يتحولوا إلى أدوات تتحرك بناء على انفعالات وقرارات فورية بعقل معطل.
٭ العادات والتقاليد أفكار متوارثة شكلت منظومة أحكام وضعتها المجتمعات لأنفسها حتى تعيش.
٭ العادات والتقاليد ليست قرآنا مقدسا، إلا أن تطويرها يجب ان يخضع لفلتر الحياد، والمبادئ العامة.
٭ لا تنقم على العادات والتقاليد، في زمن صارت فيه المبادئ والقيم تباع وتشترى بالمال، والمواقف السياسية والمصالح المشتركة.
٭ مشاعر الحب الحقيقية لا تمنح وفق شروط واستثناءات، وليست عقد اتفاق بين طرفين، مهم جداً أن نفصل بين مبدأ الثواب والعقاب في تربية اطفالنا وبين حبنا لهم.
٭ الحب المطلق يولد الإحساس بالثقة والأمان، وينعكس على النفسية والشخصية.