من أكثر التجارب التي اشتهر بها العالم والفيلسوف ابن سينا هي تجربة الخراف، وفيها قام بأخذ خروفين متطابقين في الوزن ومن نفس الفصيل ونفس الصحة وعزلهما، وقام كذلك بإعطائهما نفس الغذاء والكميات، إلا أنه جعل أحدهما بالقرب من قفص ذئب، والآخر بدونه، فوجد أن الخروف المعرض للتوتر الدائم من وجود الذئب ورغم أنه بعيد عنه ويحول بينهما سياج، مات بعد فترة قصيرة من التعرض الدائم لهذا التوتر، أما الآخر الذي لم يتعرض للتوتر استمر بصحة جيدة.
العلم الحديث يثبت أن التعرض لتوتر مستمر، يؤدي إلى مرض نفسي، والذي يتحول بدوره إلى مرض عضوي مع الوقت، وهذا غير أن التعرض الدائم للتوتر يسبب تصرفات غير منطقية بقصد الهرب من الواقع، ومن طبع العقل البشري عموما أن يميل للسكون، وعدم التعرض للمؤثرات الخارجية التي تسبب التوتر بقدر المستطاع، لذا نجد أن البشر يميلون للكسل، وعدم فعل شيء، أو ما يسمى حديثا «منطقة الراحة»، ولا يحاول العقل أن يخرج من هذه المنطقة، إلا إذا كان مجبورا، لأسباب عديدة مثل الدافع الذاتي كالرغبة في الحصول على شهادة بهدف الوظيفة، أو بسبب الحاجة المادية وغيرها من الحاجات البشرية، ولهذا التوتر على الرغم من سوئه إلا أنه محرك أساسي لتطور الأفراد، الكثير منه قاتل، والقليل منه مفيد.
ما يقاس على الفرد غالبا يقاس على المجتمع، فالمجتمعات التي تكون فيها نسبة التوتر بسيطة، تصبح مجتمعات ساكنة، أما التي تكون فيها نسبته معتدلة فتكون فيها محركات التطور عاملة، أما إن زادت هذه النسبة عن المعقول فتحدث الثورات والتغيرات السياسية، وغالبا تكون غير سلمية، وقد يحدث هذا التوتر في مجال واحد مثل المجال الاقتصادي، لكن إن لم تتم معالجته والسيطرة عليه ينتقل إلى المجال السياسي، والعكس صحيح، لذا تقوم الدول المتقدمة بعمل إدارات ومراكز دراسات لقياس هذا التوتر في المجتمع، ومحاولة التحكم فيه والمحافظة عليه ضمن الإطار المعقول، ونجد أن مجتمعا مثل اليابان قائم على أساس هذا التوتر، وأن المجتمع مصمم بحيث يحفز أفراده على الخروج من منطقة الراحة، والقيام بأعمال مفيدة للفرد، وهذا ما يصب في صالح المجتمع.
المجتمع الكويتي لديه راحة من الناحية المادية، فالدولة مجبرة دستوريا على توفير الوظيفة، مهما كان الوضع المعرفي والعلمي للفرد، وهذا يسبب تقليل التوتر، وكذلك هناك ضمانات مادية تقدمها الدولة للمواطنين، وهي امتيازات حق المواطن، وجميل المحافظة عليها، لكن الأجمل أن يتم توزيع هذه المميزات وربطها مع الاجتهاد، حتى تزداد نسبة التوتر الإيجابي بما يتناسب مع تطوير المجتمع، لكن بالجانب السياسي التوتر مرتفع لوضع غير صحي، لذلك لابد من تخفيفه بإصلاحات سياسية جذرية، وأعتقد أن إعادة توزيع هذا التوتر بالشكل الإيجابي مفيد جدا لتطوير المجتمع.