إنه الحظ وما أدراك ما الحظ، إن من لاحظ له يرى القريب منه بعيدا وربما انقلب عليه صاحبه الذي يثق به وصار له عدوا، فالحظ العاثر له تبعاته، وأصبح الناس يقولون: الدنيا حظوظ، وربما قالوا أبوحظين، وقد قال الله تعالى في سورة القصص: (يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون إنه لذو حظ عظيم)، وهذا الشريف بركات يقول:
إن جاد حظك باع لك واشترى لك
فوايده تأتيك من كل الأبواب
وهذا أيضا شاعر الكويت فهد بن راشد بورسلي يقول:
الله أقوى يانصيبي أنا وشبيدي
كل ما عدلت واحد يميل الثاني
من عثر حظه يصير القريب بعيدي
والصديق اللي توده يجي قوماني
ذكر صاحب «وفيات الأعيان» أن المهلبي كان يندب حظه العاثر ويشكو شظف العيش وقلة ذات اليد، حتى وصلت به الحالة الى تمني الموت، فكره الحياة ويئس منها وقال:
ألا موت يباع فاشتريه
فهذا العيش ما لا خير فيه
ألا موت لذيذ الطعم يأتي
يخلصني من العيش الكريه
إذا أبصرت قبرا من بعيد
وددت لو أنني مما يليه
ألا رحم المهيمن نفس حر
تصدق بالوفاة على أخيه
فرثا لحاله صديق له يدعى أبا عبدالله الصوفي، واشترى له بدريهمات لحما وخبزا ثم فرق الدهر بينهما وابتسم الحظ للمهلبي بعد الحالة الصعبة التي كان يمر بها، فضحكت له الدنيا بملء فيها، وأصبح وزيرا كبيرا في الدولة العباسية، ويصير من أثرى الأثرياء وتسوء أحوال صاحبه أبي عبدالله الصوفي، فتصله الأخبار بأن صاحبه أصبح وزيرا لمعز الدولة البويهي وللمطيع لله العباسي، فيذهب إليه في قصره ويناديه:
ألا قل للوزير فدتك نفسي
مقالة مذكر ما قد نسيه
أتذكر إذ تقول لضيق عيش
ألا موت يباع فأشتريه
فتذكره على الفور وأدخله الوزير الحسن بن محمد المهلبي القصر وتفقد أحواله ثم خلع عليه خلعة حسنة، وأعطاه مبلغا من المال وولاه عملا..
ومن هنا نقول إن الإنسان ليس له من الأمر شيء، وإنما الأمر أمر الله تعالى وقضائه وقدره، فليس بالضرورة أن يلازمك سوء الحظ طوال حياتك، فما من عسر إلا ويتبعه يسرين، ولا تموت نفس حتى تستوفي رزقها، يقول المولى عز وجل: (إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (34) لقمان، ولنتفاءل بالخير. ودمتم سالمين.