تعود بنا ذكرى سنة الهدامة الثانية التي عشتها عام 1954 الأيام الماضية مع هطول الأمطار بغزارة يوم الأحد الماضي.. في المناطق الواقعة ما بين الطريق الخامس والرابع والتي هي الجابرية والسرة وقرطبة واليرموك، كانت الأوضاع عادية ليس هناك ما يدعو إلى الخوف كانت مياه الأمطار تسيل إلى المجاري العمومية بشكل طبيعي، المشكلة في بعض المناطق التي يتكاثر فيها الوافدون بسبب إغلاق بعض المجاري لعدم العناية والوعي.
ونعود لنتحدث عن سنة الهدامة الثانية سنة 1954، فقد شهدنا أمطارا غزيرة تسببت بهدم بعض البيوت الطينية وخرير في أسقف بعض البيوت، ولقد شاهدت كيف كان شباب الكويت وهم يخرجون إلى الطرقات وبعض الأحياء لمساعدة الأهالي، وكان بيتنا في سكة العنجري فريج الغنيم، تعرض بيتنا مثل بقية البيوت للخرير لضعف الأسقف وأذكر أن قام جدي برش السطح بالرماد للتغلب على الخرير وكنا نستعمل الخياش بدلا من الشماسي، وبعد أن يشتد المطر نقلنا جدي إلى مدرسة المباركية حيث وزعنا على فصول المدرسة مع بقية الأسر التي تضررت بالأمطار الغزيرة، وما زلت أتذكر أن تجمعنا نحن شباب الفريج وبقيادة أحد كبراء الفريج لشق مجرى إلى البالوعة الواقعة في نهاية السكة، وكنا نقوم بهذا العمل ومساعدة الأهالي المتضررين ونحن سعداء بما نقوم به من عمل إنساني تجاه الأهالي، إنها روح طيبة كنا نعيشها تلك الأيام ولم نكن نتضجر مما نقوم به أو بسبب الأمطار الغزيرة بل كنا نردد دائما دعاء وترديد لا إله إلا الله.
هكذا كنا نعيش حياتنا البسيطة والتي لا تتوافر فيها كل الإمكانيات التي هي متوافرة لدينا اليوم، وكنا متقاربين ومتحابين نعيش في الفريج كأهل وكانت البيوت والأهالي يتبادلون صحون الأطعمة المتنوعة، وأيام الشتاء والأمطار الغزيرة كانت البيوت والأهالي يتبادلون أطباق المرقوق واليريش وبعض الأنواع من الحلويات مثل اللقيمات والزلابية، وفي كل بيت هناك إصخلة (ماعزة) نعتمد عليها في شرب الحليب ومنها تصنع أنواع من الألبان والألبة وما زلت أذكر كانت والدتي تطلب توصيل الماعز إلى الشاوي في بداية النهار وفي المساء يعود راعي الشاوي بالغنم في مكان تجمعهم فتنصرف الغنم إلى المنازل دون أي متابعة.
ونعود لأيام المطر حيث عشنا يوم الأحد الماضي أجواء مطرية هطلت الأمطار بغزارة ولم يحدث أن تعرضت البيوت للخرير وتجمع الأمطار وامتلاء الشوارع بالطين لعدم وجود طرق مسفلتة بينما نعيش اليوم ببيوت مبنية من الأسمنت والقواعد المسلحة والشوارع كلها مغطاه بالأسفلت علينا أن نقارن هذه الأيام بالماضي ولنردد تلك الأهازيج الخاصة بهطول الأمطار أيام زمان: «طق يا مطر طق مرزامنا حديد».
من أقوال المغفور له بإذن الله سمو الشيخ جابر الأحمد، طيب الله ثراه: «إن الحماس بغير علم طاقة فوارة تحتاج إلى ضبط، والعلم بغير حماس قوة خامدة تحتاج إلى دفع، والجمع بينهم هو سبيل الحركة الواعية».
والله الموفق.