يبدو ان القبضة الحديدية التي كانت تسيطر على كازاخستان ابان حكم الرئيس السابق نور سلطان نزارباييف بدأت تفلت، حيث تشهد البلاد منذ أيام اعنف احتجاجات على رفع أسعار الغاز، ولم تفلح اجراءات الرئيس قاسم جومارت توكاييف بإقالة الحكومة في تهدئة المتظاهرين الذين اقتحموا امس مبنى الإدارة الرئيسي في ألماتي العاصمة الاقتصادية للبلاد، ما دفع الرئيس لفرض نظام الطوارئ في العاصمة نور سلطان. وبعد ان بدأت حركة الاحتجاج في مدينة جاناوزن بغرب البلاد امتدت إلى مدينة أكتاو الكبيرة الواقعة على بحر قزوين، ثم إلى ألماتي حيث فرقت الشرطة بالقنابل الصوتية والغاز المسيل للدموع نحو خمسة آلاف متظاهر.
وبعد ظهر امس، اقتحم عدة آلاف من المتظاهرين مبنى إدارة المدينة وتمكنوا من الدخول على الرغم من إطلاق الشرطة قنابل صوتية والغاز المسيل للدموع، وشوهدت اعمدة الدخان تتصاعد منه.
وبحسب وكالة فرانس برس في الماتي شوهد رجال بزي الشرطة وهم يكومون دروعهم وخوذاتهم على الأرض ثم يعانقون المحتجين. ورفض الرجال بزي الشرطة التحدث للصحافيين. وهتفت امرأة وهي تعانق أحد المتظاهرين «انتقلوا إلى جانبنا». وقالت «رويترز» أن المحتجين سيطروا على مطار الماتي في تصعيد خطير.
وحاولت الحكومة في البداية تهدئة المتظاهرين لكن دون جدوى، وذلك عبر خفض سعر الغاز المسال وتثبيته عند 50 تنغي (0.1 يورو) للتر الواحد في المنطقة، مقابل 120 في بداية العام.
وردد المتظاهرون الذين هاجم بعضهم سيارات هتافات مناهضة للحكومة مثل «لتستقل الحكومة» و«ليرحل الرجل العجوز» في إشارة إلى الرئيس السابق نزارباييف داعم الرئيس الحالي والذي مازال يتمتع بنفوذ كبير. وتعطلت منصات التواصل الكبرى «واتساب» و«تليغرام» و«سيغنال» في كازاخستان امس، بينما حجبت مواقع وسائل الإعلام المستقلة على ما يبدو.
وتحدث التلفزيون أمس عن اعتقال مدير مصنع لمعالجة الغاز ومسؤول آخر في منطقة مانجيستاو حيث تقع جاناوزن. وقال إنهما متهمان بـ«زيادة سعر الغاز دون سبب»، ما «أدى إلى احتجاجات حاشدة في جميع أنحاء البلاد».
وفي محاولة لتطويق الازمة، أقال الرئيس الحكومة وفرض نظام الطوارئ في العاصمة نورسلطان بعد ان تداولت انباء عن استيلاء المحتجين على مقر الرئاسة في مدينة الماتي.
وقال المكتب الصحافي للرئاسة الكازاخستانية في بيان نقلته وكالة (تاس) للانباء الروسية ان قرار توكاييف بفرض حالة الطوارئ في العاصة نورسلطان بدءا من امس حتى 19 من الشهر الجاري جاء بهدف الحفاظ على سلامة المواطنين واستعادة النظام والقانون وحماية الحريات والحقوق على ضوء التوتر هناك. واضاف ان الاجراءات تقضي كذلك بفرض نظام منع التجول بدءا من الساعة الـ11 مساء وحتى السابعة صباحا وتعيين حاكم عسكري في العاصمة يتولى الاشراف على حماية النظام العام والمؤسسات الحكومية والاستراتيجية والمنشآت المتعلقة بتلبية الاحتياجات الحيوية للسكان والمواصلات.
وينص المرسوم كذلك على فرض قيود على حرية الحركة في العاصمة واليها بما في ذلك المركبات والتأكد من هوية الاشخاص والتفتيش ومنع الاجتماعات والتجمعات ومنع بيع السلاح والذخائر والمواد المتفجرة والمواد السامة وفرض نظام خاص على تداول الادوية المخدرة والمشروبات الروحية.
ودعا توكاييف السكان في مقطع فيديو نشر على موقع فيسبوك إلى الهدوء. وقال «لسنا بحاجة إلى صراع» بعد أن حذر المحتجين في وقت سابق من أي «استفزاز».
في حديث أمام القائمين بأعمال الوزراء أمس، أمر توكاييف الحكومة وحكام الأقاليم بإعادة فرض قيود على أسعار غاز البترول المسال وتوسيعها لتشمل البنزين والديزل وغيرهما من السلع الاستهلاكية «ذات الأهمية الاجتماعية».
كما أمر الحكومة بدراسة تجميد أسعار المرافق ودعم إيجارات الشقق السكنية للأسر الفقيرة.
علاوة على ذلك، أعلن توكاييف، أنه اعتبارا من أمس أصبح يترأس مجلس الأمن الوطني في البلاد. ونقلت الصحيفة الكازاخستانية «إنفــورمبـورو. كـــا زد.» مقتطفات من خطاب توكاييف حيث وعد بـ«الخروج بحزمة جديدة من المقترحات» في المستقبل القريب.
وبذلك يقدم أول رئيس لكازاخستان نور سلطان نزارباييف تنازلا جديدا لامتصاص الغضب حيث كان قد عين رئيسا مدى الحياة لمجلس الأمن.
وفي السياق نفسه، أكد توكاييف أن المحتجين كانوا منظمين بشكل جيد خلال أعمال الشغب، مشيرا في الوقت ذاته إلى أنه «كرئيس ملزم بحماية أمن المواطنين والإجراءات التي اتخذتها تهدف إلى حماية سكان كازاخستان».
وذكرت وزارة الداخلية في بيان أن أكثر من مائتي متظاهر اعتقلوا بتهمة «الإخلال بالنظام العام» و95 من رجال الشرطة جرحوا. وأضافت أن المتظاهرين قاموا «باستفزازات» عبر قطع الطرق وحركة المرور.
من جانبها، دعت روسيا إلى الحوار وليس إلى «الشغب لتسوية الوضع». وقالت وزارة الخارجية الروسية في بيان «نؤيد الحل السلمي لجميع المشكلات في الإطار القانوني والدستوري ومن خلال الحوار وليس من خلال أعمال الشغب وانتهاك القوانين».