ظهرت في الكويت - خصوصا بين الشباب - في الآونة الأخيرة، مظاهر عنف لفظي وجسدي، وهي مظاهر دخيلة على مجتمعنا المسالم المحب للخير، والمتسامح مع بعضه بعضا،
هذا السلوك الدخيل، تابعناه عبر مختلف وسائل الإعلام، ورأينا كيف أن نظرة يطلق عليها الشباب «الخز» قد تتسبب في إراقة الدماء، ونشوب معارك حامية الوطيس، وكيف أن الاختلاف على أولوية المرور بالسيارات، قد يؤدي إلى حرب شوارع، وأن التنافس على موقف سيارة شاغر قد يدفع إلى التشابك بالأيدي، والكثير من الأسباب غير المقنعة والبسيطة، التي أدت إلى جرائم ومصائب، تحمل نتائجها المجتمع، بل إن الكبار ربما يقعون في مثل هذه الأمور.
هذا ما يحدث في الشارع، ورغم أنه أمر قد يبدو مشاعا في دول أخرى، إلا أن الكويت من المفترض أن تكون حالة استثنائية، بفضل ما يتمتع بها أهلها من صفات حميدة وأخلاق عالية.
مع ذلك، فإن هذه الأمور استهجنها الجميع، ولم يقبلها، وتبارت أقلام الكتاب والعقلاء، وأهل المسؤولية في شجبها ورفضها.
ولكن ماذا ستكون النتيجة لو حدث هذا في بيت الأمة؟!
ماذا نقول إن تعارك أعضاء مجلس الأمة تحت قبة البرلمان سواء في قاعة المجلس أو في الاستراحة، أو حتى في الشارع، وهم الذين اختارهم الشعب لتمثيلهم والمطالبة بحقوقهم، وليكونوا قدوة لهم في الدفاع عن السلام المجتمعي، والأمان النفسي، والمناداة بالحوار الهادئ، البعيد أشد البعد عن التوتر والعراك؟!
حقيقة.. هذا الأمر حدث أكثر من مرة، كان آخرها في جلسة عقدها مجلس الأمة منذ أيام مضت، لسن قوانين، ووضع حلول مناسبة لقضايا تهم المجتمع الكويتي، إلا أن بعض السادة الأفاضل من الأعضاء وصل بهم الأمر إلى انفلات في الأعصاب، وتبادل الصراخ والاتهامات والتهديد.
لن نخوض في تلك المحزنات التي حدثت، في بيت الأمة، إلا أننا سنشير بكثير من التركيز إلى القدوة التي من المفترض أن يكون عليها هؤلاء الأعضاء الذين حصلوا على مناصبهم البرلمانية عن طريق الانتخابات، بما يؤكد أن المواطنين الذين اختاروهم تقع عليهم المسؤولية الكبيرة، في إدخالهم بيت الأمة، وبالتالي فإن بعضهم قد يكون عاجزا عن أن يكون قدوة للشباب، في الحوار، والتعامل مع المواقف الصعبة، التي تتطلب الهدوء والقدرة على التماسك وقت الغضب، ورسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يقول: ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب.
والأمثلة كثيرة في ديننا الإسلامي، تدل على أن قوة الإنسان وشدته ليست في صراخه وصوته العالي، ولكن في قدرته على امتصاص انفعالاته، والتسامح، والسيطرة على نفسه، وتحويل الغضب إلى طاقة إيجابية.
إننا نشجب وندين ولا نقبل أن يكون بيت الأمة ساحة للعراك وتبادل الاتهامات، والتطاول بالأيدي، حتى وإن كان يحدث ذلك في الكثير من المجتمعات، لأن مجتمعنا الكويتي طيب في طباعه، ومسامح في معاملاته، ولديه تراث اجتماعي كبير في هذا الشأن.
فيا أعضاء مجلس الأمة كونوا قدوة لشبابنا، ولا تكونوا أداة تأكيد لتصرفات نستهجنها، ونراها مدمرة لكيان المجتمع.
إننا لا ننظر إلى هذه المسألة نظرة داخلية فقط، ولكن النظرة الأكثر بعدا، وتأثيرا، هي الخارجية، حيث إن هذا العراك الذي وقع في بيت الأمة شاهده الكثير في بلدان مختلفة، وربما تكون له نتائج عكسية على سمعة الكويت التي نرجو لها أن تظل مضيئة ومتميزة.