عندما سئل أحد الحكماء عن أعظم درس تعلمه، أجاب بأنه عندما كان طفلا صغيرا، كان يلعب يوميا على شاطئ مليء بنجمات البحر، كل الأطفال يأخذون النجمات ويجعلونها أداة للعبهم، إلا هذا الطفل كان يأخذها ويرميها بالعمق حتى لا تموت، مع تكرار الحدث، قررت أن أسأله: «لماذا ترمي النجمات في عمق البحر ولا تلعب بها؟»، أجاب «حتى أصنع فرقا»، فزادت حيرتي حيرة، فقلت «إن الشاطئ مليء بالنجمات التي على وشك الموت، ماذا يمكن أن يحدث إن أنت أنقذت عددا يسيرا منها؟»، فكانت إجابته «ذلك يصنع فرقاً لها على الأقل».
مشكلة نسبة كبيرة من الناس أنه يفكر في إنقاذ كل النجوم، وإن لم يستطع، ييأس ولا ينقذ شيئا منها، وهكذا يتعاطى الناس مع مشاكل المجتمع، فتجد أن إجابة أغلب الأشخاص الذين يرمون القمامة في الطريق عن سبب قيامهم بذلك، هو أن الطريق متسخ أصلا، فقليل من قمامتي لن تكون السبب الرئيسي لاتساخه، كذلك حال من يوقف سيارته في أماكن ممنوع الوقوف، ومن يتجاوز الطابور، وحتى سراق المال العام قد يندرجون تحت هذه الفكرة، إن لم أسرق أنا سيسرق غيري.
الأصل في المجتمعات البشرية هو تطبيق العدالة الاجتماعية، فتجد الكل يطمح إلى تطبيقها، ولكن وجود أي فرد يأخذ امتيازات دون حق، تجد أن جميع من حوله يشعرون بالامتعاض من التمييز الواقع عليهم، وكردة فعل يبدأ أغلب من وقع عليهم التفرقة، بالالتواء على العدالة الاجتماعية، من باب إن لم أفعل أنا سيفعل غيري، وكمثال حي دارج في مجتمعاتنا، عندما يقوم مسؤول عن 100 موظف، بإعطاء شخص واحد مميزات لا يستحقها، سيجعل 99 آخرين غير مرتاحين لبيئة العمل، وقد يقوم بعضهم بمحاولة الإصلاح مثل الطفل بالقصة، لكن الغالب سيحاول أن يحصل على الامتيازات دون وجه حق.
رمي النجمات على الشاطئ من قبل الأمواج البحرية، حدث من الطبيعة، لا نستطيع تغيره، لكن الكثير من الأحداث نستطيع أن نتلافاه في مجتمعاتنا، فالحرص على أن تكون الطرق نظيفة، لن يدفع الأفراد لرمي قمامته، وتطبيق العدالة داخل العمل، لن يدفع الموظفين لتجاوزها، والأهم من هذا كله، غرس فكرة (حتى أصنع فرقا) في عقول أفراد المجتمع عن طريق التربية الأسرية والمدرسية، سيكون الجدار الرادع، من انهيار أي منظومة في حال وجود خلل بسيط فيها.