الكل يبحث عن السعادة حتى يواري جراح الزمن، ويخلع آلام الأيام، ويوقف ضجيج آهات القلوب، ويقطع حبل أوجاع السنين، فهذا البحث المستمر عن السعادة هو بحث مستحق، ولن يتوقف ما دامت القلوب تنبض في الأجساد، فالفقير يبحث، والغني يبحث، وكل واحد من البشر ـ أيا كانت منزلته ـ يضع للسعادة مفهوما خاصا به، ومن خلال هذا المفهوم يقوم بالبحث عن السعادة حتى يصل إلى شواطيها وضواحيها، وبلا شك بأن الذي وضع مفهوما للسعادة خارجا عن «نطاق الأخلاق» هو شخص متجاوز وإن كان يعيش في سعادة فائقة،، فسعادته هذه هي سعادة مؤقتة، وغير مستمرة، لأنها بنيت على أساس متهالك يخلو من مقومات استمرار السعادة.
وهناك من يفسرون السعادة بالترحال والبعد عن الواقع القريب، ويرون بأنها توجد بالسفر والتنقل بين العواصم والأرياف الجميلة! والشلالات الخلابة المثيرة! والكل يفسر السعادة بشكل مختلف، وأما شخصي المتواضع فله رؤية أخرى، فإنني أرى بأن السعادة هي وجودك بجانب من تحب، فحيث يكون المحبوب تكون السعادة،
فإن كان ما تحب معك فأنت سعيد ولو كنت في أقرب الديار أو في أبعدها هكذا أرى السعادة.
لذلك أقول لك يا من تبحث عن السعادة، انظر لحالك، وادرس تفاصيل حياتك جيدا، وحدد ذاك المحبوب الذي يحظى بمكانة رفيعة في قلبك، وكن بجانبه، وفي رحابه، وهناك ستجد السعادة التي تبحث عنها،، فبعدك عن المحبوب لن يجلب لك السعادة أبدا، وإن جبت جميع الديار، وأنخت الركاب هنا وهناك،، وتوقفت بين كل صور الجمال، وأخذت لنفسك أروع الصور هناك، فالسعادة حيث يكون المحبوب.. يا عزيزي.
وأسعد الناس من كان «أنسه» مع الله، يصلي حين تجب الصلاة، يقرأ كتابه في كل وقت وحين، يقوم الليل حين ينام الناس، ويرفع يده بالتضرع بين فترة وأخرى، هنا وفي هذه اللحظات المباركة يعيش الإنسان أسمى صور السعادة، فحين يكون القلب مع خالقه العظيم فإن القلب سوف ينال أسمى صور الراحة والاطمئنان والانشراح والإسعاد، فالله هو خير أنيس في الوحشة، وخير محبوب على الإطلاق، فهو التام والكامل والرحيم والغفور والقريب والعطوف.
وانتهز هذه اللحظة لأشير إلى صورة من صور السعادة، فمن صورها رؤية وجه الوالدين المباركين، ففي تجاعيد «وجه الأم» المبارك الذي شاب على الطاعة والكرامة والاستقامة أرى إشراقات السعادة تتلألأ كأنها الياقوت والمرجان، وأرى رحمة الله بادية أمام عيني في «عيون الأم» التي انهمرت على سجادة الصلاة تدعو وترجو الله بأن يحفظ ابنها،، ففي وجه الأم سعادة تتسرب إلى قلبي حتى تنفك أحزانه، وتتبسم أركانه، وتطيب كل لحظاته وأزمانه، فالقرب من الوالدين سعادة تفوق تلك «السعادات» التي يبحث عنها الكثير من الناس من خلال التجوال والترحال بين القريب والبعيد.. أسعد الله الجميع برضاه.
HaniAlnbhan@