بيروت - ناصر زيدان
بعض الخطوات الإيجابية التي حصلت في لبنان مؤخرا، بدأت تفعل فعلها، وقد تعيد شيئا من الأمل المفقود إذا ما استمرت على الوتيرة الحالية، برغم الصعوبات الكبيرة التي تلقي بظلالها على الأوضاع. ومن أبرز هذه الخطوات زيارة وزير خارجية الكويت الشيخ د.أحمد الناصر الى بيروت بعد انقطاع طويل، والواضح أنه حضر الى لبنان ويحمل مبادرة خليجية بالدرجة الأولى، وعربية ودولية بالدرجة الثانية، تهدف الى مساعدة لبنان للخروج من المحنة المالية التي يعيش فيها، وللحصول على ضمانات تكفل عدم تدخل حزب الله إعلاميا وميدانيا في الشؤون الخليجية، وخصوصا تدخله الفظ في اليمن.
ومن الخطوات الإيجابية إنجاز الموازنة كموجب دستوري ضروري وعرضها على مجلس الوزراء، بصرف النظر عن الشوائب التي تعتري بعض بنودها، ومنها على سبيل المثال طلب تفويض لوزير المالية بالبت في بعض بنود الواردات، وهو ما لم يحصل سابقا، ولا نعتقد أن المجلس النيابي سيوافق على هذا التفويض اليوم. كما أن الاتصالات التي أجرتها روسيا مع المعنيين بالأزمة اللبنانية تأتي من ضمن هذه الخطوات الإيجابية أيضا.
اللبنانيون كانوا قد فقدوا ثقتهم بالدولة وبغالبية مؤسساتها، ولم يعد لهم أي أمل في إصلاح الوضع، ذلك بأن مرافق الدولة المالية والأمنية والقضائية والإدارية تخلت عن أبسط واجباتها البديهية في تأمين استقرار مالي ونقدي، وعجزت عن توفير حماية قضائية للمواطنين وتركتهم من دون كهرباء، وتراجعت الثقة بالحماية الأمنية الى الحدود الدنيا، والأمن الصحي للبنانيين أصبح في خطر شديد، ولا يستطيع غالبية المرضى تلقي العلاج اللازم نظرا لغلاء فاتورة الاستشفاء ولارتفاع قيمة الفروقات التي يدفعها المضمونون من جراء تدني قيمة رواتبهم نسبة للدولار الأميركي.
ويمكن إدراج أمثلة متعددة على إخفاق مرافق الدولة في القيام بواجباتها: فالقوى الأمنية تجانب المعتدين والمخالفين أحيانا ولا تقارعهم في أماكن اختبائهم إلا نادرا، وهذه القوى غالبا لا تصطدم مع المخالفين او توقيفهم خوفا من الحرج او من تبعات ردود الفعل السياسية أو الطائفية، هذا ما يحصل عند قطع الطرقات، وفي ملفات السرقات، خصوصا منها سرقة السيارات وغيرها. والملفات القضائية مكدسة في جوارير المحاكم والنيابات، ومنها مضى عليه سنوات، والتأخير بالبت فيها يرتب خسائر ومسؤوليات كبيرة، كما أن مئات المعاملات الإدارية في الوزارات والمؤسسات العامة متروكة من دون معالجة منذ أشهر، والعمل البلدي معطل في عدد كبير من البلديات بسبب غياب الموظفين ومن جراء الرتابة الإدارية في بعض دوائر المحافظات والقائمقاميات وفي مديرية المجالس المحلية. ولا توجد مبررات كافية على هذا التعثر، رغم صعوبة الوضع المالي للموظفين، ولكن لو كانت هناك إدارة رشيدة للدولة تعالج هذه المعضلات بحكمة ومسؤولية، لكان الأمر على غير هذه الحالة المتهالكة. والمواطنون يدفعون من مالهم ومن وقتهم وراحتهم فاتورة عجز الدولة، وهم منهكون في حياتهم وفي مداخيلهم، ومتروكون من دون أي رعاية.
بعض الأمل معقود على نجاح المبادرة الكويتية، وعلى تجاوب دوائر الحكم والقوى السياسية كافة مع هذه المبادرة. والإجراءات المالية الأخيرة لمصرف لبنان، وحل عقدة مقاطعة الثنائي الشيعي لمجلس الوزراء ترك بعض الارتياح وساعد في تخفيض منسوب التشنج.
فهل ما يحصل مؤشر الى بدء مسار التعافي؟ نأمل ذلك. لكن الشكوك مازالت قائمة، لأن قوى أساسية تبحث عن حجج وأسباب موجبة لتأجيل الانتخابات النيابية وربما الرئاسية، وما يحصل على الساحة السنية من جراء مواقف الرئيس سعد الحريري الجديدة بالامتناع عن الترشح للانتخابات، قد يعطي مبررات لهذه القوى لتحقيق مآربها.