هذا ليس مقالا سياسيا وليس كلاما نقديا، وليست صرخة اجتماعية او «وجع اقتصادي»، بل هي صرخة ألم عربية ـ خليجية ـ كويتية على مدينة بيروت وتراكم الخراب فيها، فنحن من نراقب الاوضاع من الخارج، ولسنا نعيش بمشكل مالي، ولله الحمد، ولكن من حقنا كعرب ان نعيش الألم والحزن على ما آلت اليه احدى اجمل الحواضر العربية، وهي بيروت العزيزة من قلب لبنان الجميل بشعبه وارضه وجباله واشعاعه الثقافي وتاريخه الضارب بعمق الزمن.
ان هناك مصيبة اقتصادية معيشية ادارية تحدث في لبنان وتجري في بيروت ضمن واقع دولي معقد وتشابك مصالح ادت الى ضرب كل ما هو جميل ورائع وحضاري في لبنان العزيز، ونحن نتمنى ان يخرج هذا البلد كطائر الفينيق من تحت رماد الحزن والدمار والجوع والفقر.
ان الكويت والجمهورية اللبنانية تربطهما العروبة والمحبة بين الشعبين المتأصلة من خلال التواصل الاجتماعي والعلاقات الطويلة المشتركة بين الشعبين، حيث اعتاد الكويتيون قضاء اجازاتهم هناك، وللعلم فإن في لبنان رسميا اكثر من مائة الف منزل وشقة مملوكة للكويتيين ولن ينسى اهل الكويت ان لبنان حكومة وشعبا اول من ادان الغزو الصدامي الغاشم بشكل تلقائي وعفوي ومخلص ومازال اللبنانيون يتذكرون الدعم الكويتي المستمر إلى اليوم في اعادة البناء والتعمير ودعم شبكة الرعاية الاجتماعية والصحية والبنى التحتية وانشاء المدارس وتعبيد الطرقات والشوارع ورعاية الايتام والمعاقين.
ناهيك عن علاقات الصداقة والتجارة والمصاهرة والقرابة، وايضا ينظر الكويتيون بعين الإعجاب والامتنان لنجاحات الجالية اللبنانية داخل الكويت ونشاطهم المميز في ادائهم الوظيفي وابتعادهم عن المشاكل والتزامهم في النظام والترتيب.
ان الشعب العربي واحد والألم واحد، فعندما تنجرح بيروت تنزف الكويت، وعلينا أن نأخذ من الدرس اللبناني إذا صح التعبير اهمية الاعتماد على ركيزتين مهمتين: الاولى تثبيت دولة الرعاية للمواطن من سكن وتعليم وصحة ومواصلات وامن غذائي وفي هذا استقرار نفسي ومجتمعي لما يتعارف عليه بـ «الطبقة الوسطى» إذا صح التعبير.
والركيزة الثانية هي تضخيم وزيادة حجم الجماعات التجارية وقدرتها على الحركة والبناء والامتداد والانتشار داخليا وخارجيا بما لا يتناقض ولا يضرب الركيزة الأولى المذكورة بالأعلى والعكس صحيح.
اذن جزء من النجاح يكون بالحفاظ على هذه الركائز وعدم تناقضها مع بعض وهو «الديالكتيك الذي يجب الا يحدث»، وهذا التوازن مطلوب وحيوي ومهم، وهذا ما يجب ان ترعاه وتصونه السلطة التنفيذية والأجهزة الرقابية المؤسساتية.
هنا الاختبار الحقيقي، وهنا مجال النقاش والحوار الحيوي الحقيقي لأنه امتحان للمستقبل وصناعته وهو محاولة جادة لضمان سعادة الفرد والأسرة ونهضة المجتمع العربي.