- عبدالعزيز العصيمي: مشاكل الاقتصاد الكويتي غير مرتبطة بالجائحة.. بل بأسباب هيكلية
- مناف الهاجري: نمط حياة الكويتيين «حساس».. ليس سهلاً تغييره بين عشية وضحاها
- علي خليل: غياب «الدين العام» يعني إدارة أي عجز مالي عبر السحب من الاحتياطي
- الطريق مسدود أمام فرض ضرائب جديدة كضريبة الدخل على الأفراد والقيمة المضافة
محمود عيسى
قالت مجلة «غلوبل فاينانـــس» إن الآفـــــاق الاقتصادية للكويت على المدى الطويل مازالت غير مؤكدة، إذا استمر اعتمادها على أسعار النفط، ولكن إذا تمكنت من التغلب على العوائق السياسية، فإن الدولة تملك كل ما تحتاجه لتغيير مقدراتها واللحاق بجاراتها في دول مجلس التعاون الخليجي.
وتطرقت المجلة في تقريرها إلى أن الكويت تتمتع بحرية تعبير نادرة وحياة سياسية حية، ولكن عملية صنع القرار معقدة، ناهيك عن كون الكويت بحاجة لخفض الإنفاق العام اذا ارادت استعادة مركزها المالي السابق، كما أن صعوبة الإصلاح تعطل قدرة الكويت على التوسع في الأنشطة غير النفطية.
وأكد مختصون في التقرير إلى أن مأزق الكويت في «الدين العام» ليس إلا مسألة غياب ثقة الناس في إدارة الحكومة للديون بحكمة، ناهيك عن تطرقهم إلى مشكلات أخرى كون الحكومة تنافس القطاع الخاص بمنح المواطنين رواتب عالية في الوظائف الحكومية، كما أن نمط الحياة للكويتي «حساس»، وليس سهلا تغييره بين عشية وضحاها.
وأشارت المجلة، في تقرير لها، إلى أن الكويت تخلفت عن باقي الدول المنتجة للنفط من حيث التنويع الاقتصادي، إذ لم تفعل الكثير في هذا الجانب، وهو ما اعتبره التقرير أكبر نقاط ضعفها، ويستدل على ذلك من أن صادرات النفط مازالت تتجاوز 90% من اجمالي صادرات البلاد، وتساهم بواقع 90% من الإيرادات، وبنسبة 50% من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يجعلها عرضة لتقلبات الأسعار.
واستطردت «ليس ادل على ذلك من تسجيل الكويت في عام 2020 عجزا تاريخيا في الميزانية بلغ 36 مليار دولار، وبزيادة 175% عما كان عليه في 2019 في أعقاب انخفاض أسعار الطاقة».
ولكنها أكدت أن هذه ليست نهاية الطريق، فعندما يحين الوقت المناسب ستتيح الاحتياطيات المالية الضخمة والقطاع المصرفي المتين للكويت تنفيذ إصلاحات من موقع القوة، كما يشير صندوق النقد الدولي في أحدث تقييماته.
وتطرق التقرير إلى الاستجابة السريعة التي أبدتها الكويت في مواجهة تداعيات جائحة كورونا، حيث قال ان الكويت دولة صغيرة تتربع على ثروة هائلة وتملك 8.5% من احتياطيات النفط العالمية، وتعتبر واحدة من بين الدول الخمس الأكثر ثراء في العالم من حيث نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بينما تعداد سكانها يتجاوز المليون نسمة بقليل، فقد دخلت البلاد الجائحة من موقع قوة بفضل وفرة الاحتياطيات المالية الهائلة وتمكن الاقتصاد من التعافي ولو ببطء في عام 2021، ومن المتوقع أن يسجل هذا العام نموا يصل الى 4.3%.
الدين العام
وترى المجلة ان إقرار قانون الدين العام يتصدر قائمة الأولويات على جدول الأعمال، فعلى عكس معظم الدول، لا تستطيع الكويت اقتراض الأموال من الأسواق الدولية، لغياب التشريعات التي تحكم هذه المسالة، ولما كانت الدولة الوحيدة العضو في مجلس التعاون الخليجي التي لديها برلمان منتخب بالكامل، فإن الكويت تتمتع بحرية تعبير نادرة وحياة سياسية حية، ولكن عملية صنع القرار معقدة، حيث بقيت معظم مشاريع الإصلاحات في مواجهة طريق مسدود منذ سنوات، فيما طغت على المفاوضات باستمرار بعض وقائع الفساد والاحتيال.
وفي سياق استطلاعها لرأي الخبراء في هذا الشأن، استشهدت المجلة بما قاله أستاذ الاقتصاد المساعد في جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا عبدالعزيز العصيمي بأن مشكلة الاقتصاد الكويتي لا علاقة لها بصدمة الجائحة، بل هي ناتجة عن أسباب هيكلية.
ويرى العصيمي ان المأزق الذي تواجهه الكويت ليس الا مسألة غياب ثقة الناس في إدارة الحكومة للديون بحكمة، وفي غياب الإصلاح، يجب على الدولة أن تسحب من مدخراتها لتمويل الإنفاق الضخم.
ومع ان صندوق الثروة السيادية الكويتي هو ثالث أكبر صندوق في العالم بحجم أصول يزيد عن 700 مليار دولار، إلا أن الهدف من تأسيسه دعم الأجيال القادمة عند نفاد النفط، وليس تغطية الاحتياجات الآنية، إذ يرى العصيمي ان الحكومة تنافس القطاع الخاص بمنح المواطنين رواتب عالية في الوظائف الحكومية.
من جانبه، قال الرئيس التنفيذي لشركة المركز المالي الكويتي «المركز» علي خليل إن عدم وجود قانون للدين العام يعني إدارة أي عجز مالي من خلال السحب من الاحتياطي، ولا يمكن السماح باستمرار مثل تلك الفجوات في التمويل، سواء بوجود قانون للدين أو بدونه، وبالتالي يتعين على الحكومة تنفيذ إصلاحات في جانبي الإيرادات والمصروفات.
المرتبات وما في حكمها
ويرى معدو التقرير أن الكويت بحاجة لخفض الانفاق العام اذا أرادت استعادة مركزها المالي السابق، ولاسيما في باب الرواتب والأجور، إذ توظف الدولة حاليا أكثر من 80% من الكويتيين، وتمثل رواتبهم، إلى جانب الدعوم والبدلات الخاصة 70% من الميزانية وتستمر في الزيادة كل عام، على الرغم من الضغوط الدولية للحد من خلق المزيد من فرص العمل في القطاع العام وتشجيع نمو القطاع الخاص.
في المقابل، إشارت المجلة إلى الطريق المسدود في مجلس الأمة أمام المبادرات لفرض ضرائب جديدة، مثل ضريبة الدخل على الأفراد أو ضريبة القيمة المضافة على المشتريات.
ويقول مناف الهاجري، المستشار المستقل والرئيس التنفيذي السابق لشركة «المركز»، ان نمط الحياة الكويتي موضوع حساس ولن يكون من السهل تغييره بين عشية وضحاها، ولكن هناك قدرا كبيرا من عدم الكفاءة في النظام، حيث ان الإنتاجية يمكن أن تشهد مكاسب هائلة، حتى لو كان الناس مستمرين في التمتع بالامتيازات الممنوحة لهم.
صعوبة الإصلاحات
ويضاف الى ذلك أن صعوبة تطبيق الإصلاح تعطل قدرة الكويت على التوسع في الأنشطة الاقتصادية غير النفطية، لاسيما أن استراتيجية الدولة للتنويع من خلال رؤية 2035، تتضمن خطط بنية تحتية كبيرة ـ مثل الجزر والموانئ والمدن الجديدة تماما ـ لتحويل الكويت إلى مركز إقليمي وخلق ما يصل إلى 400 ألف فرصة عمل.
ولتمويل هذه المشروعات التي تعتبر من الأحلام الهائلة، تعول السلطات على ازدهار الشراكة بين القطاعين العام والخاص وزيادة الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة 300%، لكن حتى الآن، لم يتم تنفيذ سوى القليل من الخطط، فيما تعاني معظم المشاريع من التأخير.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة لتحسين بيئة الأعمال من خلال قانون الإفلاس الجديد، والإعفاءات الضريبية والسماح بالتملك الأجنبي بنسبة 100% للشركات، فإن عملية ترسية العطاءات للمشاريع الكبرى لا تزال قيد التدقيق من قبل مجلس الأمة، ما يوسع المفاوضات ويعقدها.
وبشكل عام، لا يزال تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة من الخارج دون الهدف المأمول، وتتجاوز استثمارات الكويت الخارجية ما تستقطبه وتتلقاه من تدفقات أجنبية، ففي العام الماضي، أشار صندوق النقد الدولي الى أن الاستثمارات الكويتية في الخارج بلغت 32 مليار دولار مقابل اجتذاب 14 مليار دولار فقط.
وكانت شركات تكنولوجيا المعلومــــات والشركــات اللوجستية الراغبة في تعزيز وجودها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أحدث المستثمرين، فقد افتتحت عملاق الطيران والفضاء الأميركية شركة «بوينغ» مكتبا جديدا لها في الكويت، ومن المقرر ان تلحق بها عما قريب شركة «أمازون» لخدمات الانترنت بافتتاح مركز للبيانات، كما ذكرت تقارير أن شركة «غوغل» وقعت أيضا اتفاقية لانشاء عمليات بيانية وسحابية في المنطقة.
القطاع المصرفي.. ركيزة النمو
جاء في التقرير أن القطاع المصرفي الكويتي يبقى ركيزة للنمو، ومن بين القطاعات المصرفية الأقوى في المنطقة، حيث يتمتع بمستويات رسملة عالية وسيولة وفيرة، إذ بلغ معدل تغطية السيولة 174% في النصف الأول من عام 2021، بينما بلغ معدل كفاية رأس المال 18.7% وهو أعلى بكثير من المستويات المطلوبة.
وفي حين عانى معظم المشاركين على الساحة الاقتصادية من تداعيات انخفاض الإيرادات الحكومية نتيجة انخفاض أسعار النفط فان البنوك عبرت الجائحة بيسر نسبي بفضل المصدات القوية والسياسات الادارية الحصيفة.
وقال الرئيس التنفيذي في مجموعة البنك الأهلي الكويتي جورج ريشاني، إن بنك الكويت المركزي اتخذ خطوات لاصلاح القطاع المالي قبل سنوات من الجائحة، وكان صارما فيما يتعلق بالسيولة ورأس المال ولذلك كنا مستعدين عندما جاءت الجائحة.
ويرى المستشار المستقل والرئيس التنفيذي السابق لشركة «المركز» مناف الهاجري مجالا للنمو من خلال التصدي لجوانب عدم الكفاءة في الاقتصاد، ويعتقد أن التمويل يمكن ان يقدم خريطة طريق لصانعي السياسة ولصانعي القرار في الشركات على السواء.
وأضاف «قطاع التمويل هو الأفضل تنظيما في الكويت بفضل هيئة أسواق المال والبنك المركزي، وهذا يشكل نموذجا يجب على القطاعات الأخرى أن تقتدي به».
ومضى التقرير الى القول إن القطاع المالي الكويتي لم يتضرر من الأحداث الأخيرة وأنه مستعد لمواجهة تحديات جديدة، مثل تطوير الموارد البشرية والابتكار.
وعلق الرئيس التنفيذي لبنك بوبيان عبدالله التويجري على هذا الأمر بقوله: مع انتقال الصناعة المصرفية إلى ما وراء نموذج الأعمال المصرفية، ستحتاج البنوك المحلية إلى توسيع قاعدة الموظفين لديها وجذب أنواع جديدة من المواهب، وستحتاج البنوك إلى مجموعة مهارات جديدة تتماشى مع نماذج أعمالها المتغيرة وفهم عملائها بشكل أفضل، وإلى علماء بيانات وباحثين ومتخصصين في الذكاء الاصطناعي والتصميم المرئي والتسويق الرقمي وخبراء إعلام ومطورين ومتخصصين في تجربة العملاء، فضلا عن تعيين علماء نفس وخريجي تخصصات فلسفة ومهارات متنوعة أخرى يمكن أن تجلب وجهات نظر جديدة.
بيئة المشاريع الناشئة في الكويت تفتقر إلى المحفزات
قالت المجلة إن الشركات الصغيرة والمتوسطة تعاني من بطء التعافي رغم انشاء الصندوق الخاص البالغ قوامه 7 مليارات دولار من اجلها عام 2013، ومع ان بعض الشركات قد حققت نجاحات وبشكل خاص في تكنولوجيا الغذاء، الا ان البيئة العامة للمشاريع الناشئة في الكويت لا تزال تفتقر الى المحفزات والرعاية ورأس المال الاستثماري وشبكات المستثمرين الجماعيين.
ويشتكي كثيرون من الرياديين من ان الافتقار الى الدعم الحكومي يدفع بالأعمال الى الخروج من البلاد عندما تسعى الى التوسع.
المجلة للوزير الرشيد: وازن بين متطلبات الإصلاح والواقع السياسي.. لتحدث تغييراً
ذكر التقرير أن ترشيح عبدالوهاب الرشيد وزير المالية لهذا المنصب أواخر العام الماضي، وبعد بضعة أسابيع من دعوته في نوفمبر الماضي إلى الإصلاح الاقتصادي، واصفا اياه بالحاجة الماسة بدلا من كونه ترفا، ولكن برغم هذه الاستجابة، فالخلافات السياسية تبطئ مسيرة الكويت نحو الإصلاح وتفاقم ضعف الاقتصاد الكلي.
وأشارت المجلة إلى تغير الأشخاص الذين تولوا حقيبة وزارة المالية خلال فترات قصيرة، حيث كان عبدالوهاب الرشيد (37 عاما) ثامن وزير يتولى مقاليد الوزارة خلال عشر سنوات فقط أي منذ عام 2012.
وقالت غلوبل فاينانس انه يتعين على الوزير إذا أراد أن يحدث تغييرا يذكر، أن يوازن بين تطلعاته المتمثلة في متطلبات الإصلاح الاقتصادي من جهة، وواقع السياسة الكويتية من جهة أخرى.