في نهاية فبراير عام 1958 كشفت البعثة الدنماركية للتنقيب عن الآثار في جزيرة فيلكا، عن حجر يوناني قديم، مكتوب عليه أن المسمى القديم للجزيرة كان (إيكاروس)، وهذا الاسم ما هو إلا رمزية لشخصية أسطورية إغريقية، وتنص هذه الأسطورة على أن دايدالوس كان مهندسا ونحاتا ذا جودة عالية، لدرجة أن منتجاته لا يفرق بينها وبين الحقيقية، طلب منه ملك كريت أن يصنع متاهة ليضع فيها أحد الوحوش، مع وعد بألا يخبر أحدا بطريقة الخروج منها، ولكن دايدالوس خان وعد الملك، وأخبر أحدهم بالطريقة، فسجنه الملك في برج هو وابنه إيكاروس، وفي البرج أخذا يراقبان الطيور، وقررا الطيران والهروب من سجنهما، فجمعا الريش المتساقط من الطيور، ولصقاه بالشمع المذاب من الشموع، وصنعا أجنحة، وفعلا تمكنا من الطيران، وقبل الطيران أوصى الأب ابنه بألا يقترب من مياه البحر، حتى لا تبلل رطوبة المياه الأجنحة، فتثقل ويسقط، وألا يقترب من الشمس، حتى لا يذوب الشمع ويسقط، فكان عليهما المحافظة على الطيران بمستوى معين للنجاة، لكن إيكاروس الذي كان أول إنسان يطير، أصابه الغرور، وظن أنه ينافس الآلهة، فاقترب من الشمس، وذاب الشمع وسقط ميتا.
الأسطورة هذه يستخدمها الفلاسفة للتدليل على فكرة (Golden Mean) أو الوسط الذهبي، وتعني أن الإنسان أو المجتمع بشكل عام، يجب أن يكون محافظا على المنطقة الوسطى في التعاطي مع الأمور، فلا يكون متطرفا لليمين أو اليسار، فبين التهور والجبن توجد الشجاعة، وبين البخل والتبذير يوجد الكرم، وبين الخبث والسذاجة توجد الطيبة، فخط الأخلاق الحميدة محاط بالمكاره، والمحافظ عليه يحتاج عقلا سليما، يستطيع أن يميز بين الجانبين السيئين، ويبقى في المنتصف، وكثرة استخدام العقل في الأمور الحياتية يجعل الإنسان جافا جامدا، وجريه وراء عاطفته يجعله ساذجا، فطيبا لمن يستطيع أن يقف في المنتصف بين العقل والقلب.
تسمية الإغريق لجزيرة فيلكا بمسمى إيكاروس، وكأنها رسالة تأتي من قبل الميلاد، لسكان الكويت اليوم، تحذر من التطرف، وتحث على الاعتدال، فثقافتنا الاستهلاكية اليوم، ليست فيها أي بوادر على هذا الاعتدال، لدرجة أننا من أكثر الدول إخراجا للقمامة، والإفراط في المأكل حتى وصلنا لأعلى الدول بمعدل السمنة، وتقييم الإنسان بمظهره ومسماه واسم عائلته أو قبيلته، ليس من الاعتدال في شيء، لدينا كثير من الأخلاق والصفات الإيجابية المعتدلة كالكرم والفزعة، لكن تسليط الضوء على السلبي منها والاعتراف به، يجعلنا نستطيع إصلاح هذه الظواهر الاجتماعية، والمحافظة على الوسط
الذهبي.