ترددت كثيرا في اختيار عنوان لهذا المقال، ولكن ما شجعني هو خطبة مسجدنا في إحدى الجمع الماضية عندما تحدثت في هذا الموضوع، أقصد بهذا العنوان، وهو كل إنسان تخلى عن جوارحه وطلب من الآخرين خدمته مع قدرته على القيام بهذا الأمر، ونبدأ بالبيوت وهي المحضن الأول للتربية، فنجد للأسف أن كثيرا من الأبناء يستهين بخدمة نفسه بنفسه عن إحضار كوب من الماء ليشربه، ويقول: «ميري- وهذا الاسم افتراضي - جيبي لي ماي»! ومثل هذا المثال الكثير الكثير.
لماذا لا يكون هناك إعادة ترتيب للأولويات في المحضن التربوي الأول وهو البيت؟ حيث يتم تعويد الطفل على خدمة نفسه، فتمنع العاملة في المنزل من دخول غرف النوم إلا للمساعدة، فكم هو جميل أن ترتب الابنة أو الابن غرفته بعد أن يفرغ من أداء صلاته ويضع المفتاح عند أمه! ما أجمل أن يقوم الابن بمساعدة الأب في الديوانية! فكما علمنا آباؤنا، رحمهم الله تعالى، «المجالس مدارس».
إن ترك الأبناء في هذه الصورة المزرية إثم يتحمله الآباء والأمهات، نعم نحن في بحبوحة من العيش، بحمد الله تعالى، ولكن لا نعلم ماذا سيحدث غدا، وكيف ستسير الأمور؟ بل مع جائحة «كورونا» ارتفعت أسعار جلب العاملات ارتفاعا جنونيا، فلو كان هناك تعاون وعدم الاعتماد على العاملة لما حدثت أزمة.
النمط الذي تعيشه أغلب الأسر بترك الحبل على الغارب للأبناء والبنات سوف ينتج لدينا جيلا اتكاليا لا يتحمل المسؤولية، فهؤلاء الأبناء سيكبرون، بإذن الله تعالى، وسيكونون أسرا، فكيف ستكون هذه الأسر وهم بالأساس لا يحضرون لأنفسهم كوب ماء؟!
أذكر في أيامنا، أنه كانت هناك مادة دراسية تسمى «الاقتصاد المنزلي» التي تعلم البنات أصول العمل المنزلي، أتمنى أن تكون هذه المادة من المواد الأساسية في المدارس، فالتدريب على تحمل المسؤولية ابتداء من جلب كوب ماء لنفسك إلى المكوث في بيت الزوجية سوف ينتج أسرا مستقرة.
وأخيرا، أود أن أقول في التعامل مع عاملات وعاملي المنازل: يجب أن يكون بتوصية النبي محمد صلى الله عليه وسلم بإعطائهم أجورهم وعدم تأخيرها: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، وكذلك التعامل معهم باحترام، فقد قال أنس رضي الله عنه: «لقد خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي قط: أف، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلت كذا؟» (متفق عليه)، فالله الله في التعامل الطيب مع هؤلاء العاملين.
٭ نكشة: العلم في الصغر كالنقش على الحجر.
[email protected]