[email protected]
لوحة «الطالع» عبارة عن فتاتين في منتصف التكوين، متقابلتين، ذواتي جسدين رشيقين، ترتديان أثوابا قطنية الإحساس، إحداهما ترتدي رداء أخضر مشوبا بالأزرق، وتغطي رأسها بالصرق (الإيشارب) على الطريقة البلدية الشعبية، وأخرى برداء زهري قاتم، ذات شعر بني متوسط، ترتدي قلادة ذهبية اللون، تتوسطهما طاولة خشبية في مركز التكوين، فرشت عليها عدد من أوراق اللعب بطريقة الكولاج. وفي الخلفية هناك بالجهة اليمنى أوراق شجر، وعيون متجولة، وأوراق لعب منتشرة، بأحجام مختلفة، تحمل معها قلوبا صغيرة حمراء، وديك محبوس في قفص.. كأنه يصيح بغضب، وفي الأسفل قط أسود فرعوني التجريد، يقف بثقة وشموخ.
وفكرة العمل تعبيرية العناصر والمضمون، ويمكن تصنيف العمل بأنه من فن ذي المضمون (المفاهيمي)، الذي يندرج تحت الفن الشعبي، ويبرز أجزاء مهمة من معتقدات الفنان، وحياته اليومية، تحمل الطابع القصصي، وتحكي قصة تجذب المتلقي للاستمتاع بعناصر العمل التشكيلي. وذات الرداء الزهري خيم الحزن على وجهها، أما الفتاة ذات الرداء الأخضر فهي التي تتنبأ بالمستقبل، وهناك حركة داخلية في يدها وهي ممسكة بورقة لعب ترمز إلى فتاة وهي تقول لها إن حبيبك خائن، له علاقة غرامية مع فتاة أخرى. فتتضخم ورقة اللعب التي تحمل رمز الحبيب، فهو من الجهة اليمنى عادي لصق بالكولاج بطريقة التلصيق والتوليف، ومن ثم يكبر ويكبر إلى أن يسيطر على الجو العام للطالع.. هل من أمل.. نعم مادام الديك يصيح فيبقى هناك أمل. والقطة السوداء رمز للخرافة، وأوراق الشجر هي أوهام الفتاة، والعيون ترمز إلى البصيرة، فهي عند قدماء المصريين ليست للنظر فقط، ففيها المستقبل والأحلام المعنية للفرد. والحركة الداخلية للحظة صياح الديك ترمز إلى الأمل والتفاؤل.
البناء الفني لخلفية العمل تكعيبي اللون والخط، تعبيري في العناصر والفكر، فالعمل يصنف ضمن التعبيرية التكعيبية. فقد كون الفنان تصميمه بأسلوب هندسي الشكل، واهتم بتلاقي العلاقات الهندسية التشكيلية، فهناك العديد من المساحات المثلثة والمربعة المترددة والناشئة من تلاقي خطوط الخلفية، فنراه يشكل الخلفية في خطوط هندسية حادة ومرنة، والظلال هي الأخرى تحولت إلى مثلثات ومستطيلات ومكعبات أسفل التكوين مما أعطى ثقلا تشكيليا داخل التكوين الفني العام للوحة. الطالع تكعيبية الأشكال تعبيرية الرؤية، فقد حقق الرؤية التكعيبية، وشكل بالتوليف بين الرسم التكعيبي والتلصيق الذي يستخدم العناصر الطبيعية وليس تقليدها بالرسم، ويعني التلصيق إقحام عناصر من العالم الحقيقي تكتسب دلالة أخرى في الطالع، وفكرة العمل تتحد مع اسمه، فالطالع اسم مصري شعبي لحالة تنبؤ مستقبلية.
ونرى الفنان جاء بتكوين فيه محاور تشكيلية متعددة، ومتداخلة، ومترابطة، لمحاور نصف دائرية، والمحاور المثلثة، والمربعة، والمستطيلة، في تداخل، وتركيب فني. الألوان على طريقة مسطحات لونية، فنرى اللون الغالب هو اللون الأزرق ودرجاته مع تنويعات مشوبة من الأخضر والأسود والبني والأبيض، واللون المسيطر على اللوحة هو الأزرق بدرجاته في تناغم، فقد شوب الأزرق بالأخضر في رداء الفتاة، وشوب بالأسود أسفل الطاولة، كأنها ظلال الفتاتين والطاولة، وشوب بالأبيض في الثلث العلوي والسفلي، وفي الجهة اليسرى العلوية مستطيل أزرق داكن خلف قفص الديك، تقابله القط الأسود، ولون الديك يقابله أرضية القط الأسود. وفي منتصف التكوين مستطيل أفقي بلون طيني (مزيج من اللونين البني والأبيض والقمحي)، وتلك الظلال القاتمة أسفل الطاولة، وأرجل الفتاتين أعطت ثقلا تشكيليا بأسلوب تكعيبي. ورداء الفتاة الزهري الداكن يقابله الأحمر الكرزي في الزاوية السفلية في الجانب الأيسر، حتى الألوان الحمراء الموجودة في ورقة اللعب التي تحمل صورة غلام ترد عليها البقعة الحمراء المشوبة بالأسود.
شكل الفنان سلسلة من الأسطح المستوية تجمع بينها علاقات غامضة، حيث التباين بين الأمامية والخلفية، وكذلك الجوانب، ويتخذ الفنان الأسلوب الفرعوني في البورتريه، فهو دائما يختار الزاوية المثلى التي تعبر عن الموضوع بشكل أحسن، لأن جمال الخطوط الخارجية للوجه يتطلب الوضع الجانبي، فأحسن حالات الأكتاف والعين من الجهة المواجهة، والأنف من الجنب.
وفي مقابلتي مع د.الفاضل صبري عبدالغني، أكد على أهمية التوازن اللوني والخطي فيقول: أنا لا أحب العشوائيات في تكوين الصورة، والتوازن الموجود في الطبيعة ليس اعتباطيا، فالاعتباطيات كلها في أزمة. بعد الشمس عن الأرض لو ابتعدت قليلا ستطير، والأرض والمريخ مع الكواكب كلهم متماسكون بقوة وترابط وصلابة بنوع من الجاذبية، فالطبيعة فيها حبكة وكل الأشياء في الطبيعة محبوكة حبكة قوية، ولا يوجد شيء عشوائي، فأنا من الأشخاص الذين يفضلون الحبكة الفنية، وتلك الحبكة امتداد لما هو موجود في الطبيعة.
اسم الفنان: صبري عبدالغني
اسم العمل: الطالع
أبعاد العمل: 100 × 120 سم
المواد المستخدمة: زيت على كانفس
سنة الإبداع: 2011