ما يجمع الكويت والبحرين لا تحصيه الكلمات ولا يمكن صياغته بالعبارات، ولكن هي أواصر النسب والدم والانتماء والثقافة والعادات والمصير الواحد، هي علاقة تضرب بجذورها في أعماق التاريخ ولم تتأثر بأي عوارض بل كانت ولاتزال تزداد قوة ومتانة في ظل قيادات حكيمة وعبقرية لحكام البلدين من آل الصباح وآل خليفة.
يذكر بعض المؤرخين المتخصصين في تاريخ شبه الجزيرة العربية أن الأسرتين تنتسبان إلى قبيلة عنزة العربية الكبرى أبناء تغلب بن وائل من فخذ (جميلة) فرع (شملان)، ومع هجرة جماعة العتوب من نجد إلى ساحل الخليج العربي شرقا في بدايات القرن الثامن عشر الميلادي ظل الترابط بين أبناء العمومة فأسس آل الصباح الكويت وآل خليفة حكموا منطقة «الزبارة» شمال قطر، وفى عام 1783 انتصر الكويتيون على بنو كعب في موقعة الرقة البحرية وفى نفس العام تمكن آل خليفة من فتح البحرين بمعاونة آل الصباح وطرد حاكم بوشهر الإيراني الشيخ ناصر آل مذكور، ولكن في الحقيقة أن الترابط بين البلدين كان منذ القدم عندما كانت فيلكا تتبع مملكة دلمون، فالعلاقات بين البلدين قيادة وشعبا حقيقة لا مجازا جزء لا يتجزأ كالجسد الواحد.
وقد قمت بزيارة الشقيقة البحرين مرات عديدة ولم أشعر لحظة واحدة بأني فارقت الكويت، ولكن هذه المرة الأخيرة كانت ذا طابع خاص حيث تشرفت فيها بمقابلة وزير شؤون الإعلام علي بن محمد الرميحي، ورئيسة مجلس النواب فوزية بنت عبدالله زينل، ورئيس مجلس النواب علي بن صالح الصالح، وقد تبادلنا الأحاديث الشائقة، وما يجمع الشعبين الشقيقين من روابط متينة لم ولن تنفك أواصرها مهما طال الزمن، وللأسف لم يسعفني الوقت لمقابلة بقية الشخصيات التي أتشرف بأن تجمعني بهم مقابلة في أقرب عودة لوطني الثاني مملكة البحرين أدام الله عزها.
وقد تكلل هذا التلاحم التاريخي بين الأشقاء عندما انتفض الشعب البحريني قيادة وشعبا ضد العدوان العراقى الغاشم، حيث أرسلت البحرين قوات عسكرية مجهزة للمشاركة في عملية «درع الجزيرة» ومشاركة سلاح الجو البحريني ومطارات البحرين مع قوات التحالف لطرد المعتدين، كما تبنت البحرين ديبلوماسيا قضية الشعب الكويتي العادلة في المحافل الدولية مع أشقائها من دول مجلس التعاون الخليجي حتى تم تطهير الكويت من دنس المحتل، وفى المقابل أرسلت الكويت قوات بحرية تحت مظلة قوات «درع الجزيرة» لحفظ الأمن في البحرين تزامنا مع الأحداث المؤسفة في فبراير 2011.
أما على المستوى الاقتصادي، فتعتبر البحرين الوجهة السياحية المفضلة للشعب الكويتي، والعديد من اتفاقيات التبادل التجاري وقعتها اللجنة العليا المشتركة الكويتية البحرينية في المجال السياحي والنفطي والبيئي، كما تقدر الاستثمارات الكويتية في الشقيقة البحرين قرابة المليارين ونصف المليار دولار أميركي.
في الواقع وكما ذكرت في مقدمة المقال أن الكلمات ولغة الأرقام والإحصائيات لا تعبر عن حقيقة ما يربط الشعبين الشقيقين، وأن القيادات الحكيمة الرشيدة المتعاقبة على حكم البلدين لم تدخر جهدا لتحقيق الأمان والرفاهية وتقوية أواصر المحبة والتعاون، وما زلت أتذكر ما أخبرني به والدي المغفور له الشيخ حمود السالم الصباح، رحمه الله تعالى، بمسكنه بقصر الدعية عن علاقة الود والمحبة التي جمعت والدي بآل خليفة عامة وخاصة بالمغفور له جلالة الملك عيسى بن سلمان آل خليفة، رحمه الله، حيث أهداه والدي «بعض الخيول العربية وصقورا حرة للمقناص»، ورد له جلالة الملك الهدية «بسيارة وسيف وخنجر»، هذا التهادي كان يعبر عن أسمى قيم المحبة والأخوة التي جمعت أسلافنا العظماء، رحمهم الله، وطيب الله ثراهم وجعل الجنة مأواهم، ونسأل الله جل وعلا أن يجعلنا في رباط إلى يوم القيامة وأن يوفق ولاة أمورنا صاحب السمو الأمير الشيخ نواف الأحمد، وسمو ولي عهده الأمين الشيخ مشعل الأحمد، وصاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك مملكة البحرين، وولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد، حفظهم الله جميعا، لما فيه الخير والسعادة لنا وللأمتين العربية والإسلامية، دمتم لنا أشقاء ودامت لنا نعمة الأمن والأمان والسعادة.