- د.خالد عبداللطيف: هناك قصور في الأعمال الدرامية التي تنتج في الكويت
- د.نبيل الفيلكاوي: الجيل الجديد من الشباب حُرم وغُيب عن الأعمال الوطنية
- د. نرمين الحوطي: للأسف الجيل الحالي حُرم من الفرحة الوطنية
- د.خليفة الهاجري: يجب أن يكون ذا بعد أعمق من الرقصات والكلمات المغناة
- د.محمد المهنا: لا يوجد غياب بقدر ما هو شح في الأعمال الوطنية بشكل مباشر
تحقيق سماح جمال
يصاحب عادة شهر فبراير الانتاجات الفنية الغزيرة والتي ترتكز عادة على الجانب الموسيقي من خلال الاوبريتات والأغنيات المصورة التي تتهافت العديد من الجهات لدعم تقديمها بأبهى صورة، ولكن يبقى السؤال المعتاد: لماذا تغيب هذه الأعمال الوطنية عن باقي أشهر السنة؟ ولمَ لا نراها بصورة مكثفة وانتاجات ضخمة على الشاشات كما هو الحال في الاعمال العالمية والوطنية التي لا تخلو منها؟ ولماذا بات المسرح الكويتي بعيدا عن القضايا الوطنية؟ وهل تقديم القضايا الوطنية بطريقة جذابة يستقطب المشاهدين من الصعوبة بمكان أم أن تكلفة انتاج هذه الأعمال مازالت هي العائق الحقيقي؟ وماذا عن الأجيال الجديدة التي لم تعش زهوة الانتاجات الوطنية التي قدمت في أعمال مازالت متواجدة في القلوب ليومنا هذا؟ فهل الأعمال الوطنية تقدم بمعيار القضية أم المواسم؟ «الأنباء» استطلعت آراء المتخصصين وفيما يلي التفاصيل:
في البداية، تحدث د.خالد عبداللطيف قائلا: هناك قصور في الأعمال الدرامية التي تنتج في الكويت، ونفتقر للأعمال التي تأخذ بعدا وطنيا، ولو قارنها بالأعمال التي تقدم في الدراما المصرية أو السورية أو التركية لوجدنا أن هناك مجموعة من الأعمال التي تنمي النشأة والروح الوطنية، وهذا من الضروري بمكان في أي مجتمع يريد تعزيز الروح الوطنية والانتماء لدى الشباب من خلال الأعمال التي يسهل وصولها إلى كل بيت وفي كل مكان، فبإمكان الجهات المسؤولة عن الإعلام توجيه الرسائل الوطنية من خلال هذه الأعمال، ولكن للأسف لا توجد خطة أو تخطيط، وهناك مجموعة كبيرة من جهات الإنتاج تنتج أعمالها وتعرضها على القنوات الخاصة أو تلفزيون الكويت، ويجب أن يقوم تلفزيون الكويت بوضع شروطه في الأعمال التي يريد شراءها وأن تتضمن مجموعة من القيم الوطنية والأخلاقية الإيجابية لزرعها في نفوس الأبناء.
أما عن قلة أو ندرة الأعمال المسرحية التي تتناول قضايا وطنية، فقال: تقديم المسرح للقضايا الوطنية هو أصعب من الدراما التلفزيونية بمراحل، فليتضمن المسرح هذه القضايا التي يشاهدها في النهاية عدد محدود من الجمهور مقارنة بمشاهدي التلفزيون، وبالإضافة إلى خصوصية الأعمال المسرحية نصا وعرضا.
وعن تركيز القضايا الوطنية في الاوبريتات الغنائية، قال: الاستسهال من ناحية الكلمات واللحن والأداء، ولو قارنها بما قدم في فترة الستينيات والسبعينيات لوجدناها مختلفة، فتلك أعمال باقية وتردد حتى اليوم ولم تكن تقدم بصورة سريعة، فعلى سبيل المثال اوبريتات وزارة التربية كانت كل سنتين تقدم عملا وطنيا، وهذه الفترة كانت تكون للاستعداد، ويشارك فيها كبار الكتاب والملحنين والمؤديين، أما اليوم الأعمال الوطنية لا يوجد فيها هذا العمق وتتميز بالخفة، ولذلك فهي لا تبقى في وجدان الشعب.
الرواج المطلوب
من ناحيته، قال د.نبيل الفيلكاوي: بحكم ان الدراما الكويتية تسوق في سوق الدراما الخليجية فبالتالي الأعمال الوطنية الكويتية لن تلقى الرواج المطلوب في السوق الخليجي، الذي يكون الطلب فيه أكثر على القضايا الاجتماعية والقصص الدرامية، ولهذا فإن تقديم الأعمال الوطنية اقتصر على الاوبريتات والأعمال الموسيقية والتي تقدم في مناسبات وطنية وهي الاستقلال والتحرير من الغزو.
وأكد د.الفيلكاوي أن تقديم مثل هذه النوعية من القضايا والمواضيع يتطلب تكلفة إنتاجية ضخمة ومختلفة تماما عن التي تقدم بها الأعمال الاجتماعية، وقال موضحا: شخصيا أؤيد تقديم مثل هذه الأعمال لأنها تعكس الكثير من القضايا الهامة ومنها الوحدة والتكاتف بين أفراد المجتمع، ولكن المزاج العام للجمهور يتجه أكثر نحو الأعمال الاجتماعية المعاصرة ويبحثون عن «الفرجة»، وهذا ما يصعب الأمر في إيجاد المنتج الذي قد يقدم على مجازفة بتقديم عمل مرتفع التكلفة.
وحول ابتعاد المسرح في الفترات الأخيرة عن طرح القضايا الوطنية، قال: المسرح الكويتي إذا عدنا إلى أساسه لوجدناه سياسيا جريئا وطرح العديد من القضايا الوطنية، وتناول كذلك قضية الغزو ولكن حاليا التوجه مختلف، وشخصيا أشجع أن نعيد تقديم هذه القضايا وطرحها لأهميتها الكبيرة، ولكن العنصر الأساسي هنا هو الجمهور وتوجه الجمهور، فقد سبق وطرحنا مثل هذه القضايا في المسارح الاكاديمية والمناسبات الوطنية ولكننا نرى توجه الجمهور بعيدا عنها.
افتقار الهوية الوطنية
من جهتها، قالت د.نرمين الحوطي: الغياب ليس فقط عن الأعمال الوطنية بل باتت مفتقرة للهوية الوطنية عموما، فبملاحظة ما يتم تقديمه تجده أشبه بكوكتيل، وهناك طمس مقصود للهوية الوطنية، وأصبح المشاهد لا يعرف القصة أو القضية تدور في أي دولة، وشخصيا لا أعارض وجود أعمال عربية يشارك فيها فنانون من مختلف الدول العربية، ولكن من المهم أن يكون هناك عمل متكامل تتضح فيه الهوية الوطنية بصورة خالصة.
وأضافت: للأسف أن هناك بعض المنتجين يرون أن الأعمال الوطنية تكلفتها الإنتاجية مرتفعة في حين أن العائدات لهم ستكون أقل، في حين أنه لو قدم عمل وطني بأساس صحيح من ناحية الفكرة والأحداث المؤرخة بشكل صحيح، ويتم انتاجه وتنفيذه بصورة صحيحة فقد يصل هذا العمل إلى العالمية، والدليل على ذلك أن هناك أعمال عن ملوك في أوروبا مازالت تنتج لليوم وعليها اقبال، لأنها قدمت بطريقة صحيحة والقصة حيكت بشكل مشوق في سياقها التاريخي الصحيح، وبالتالي حصلت على نسب مشاهدة مرتفعة.
وعن نظرتها للأعمال الوطنية التي تقدم في الاوبريتات الغنائية، قالت: ما يقدم الآن لا يوجد فيه ابتكار أو تجديد وهو تكرار لما قدم في الخمسينيات والستينيات، وهو مجرد استخدام للشاشات مع الاستعانة بالطلاب للغناء والرقص، وعلى سبيل المثال عندما افتتحت دبي اكسبو واستقطبت الكثير من المدارس الموسيقية والفنانين من حول العالم، استطاعوا توظيفها واستخدامها بالصورة الصحيحة التي أظهرت الروح الوطنية والإمارات وفكرة الإكسبو.
اما عن غياب القضايا الوطنية عن المسرح، فقالت: المسرح الكويتي كان ثريا وغنيا بالكثير من الأعمال الوطنية، ولكن للأسف الشديد لا يوجد مسرح وخاصة مع الجائحة، وليس صحيح ما يردده البعض بأنه لا يوجد كتّاب، فهناك كتّاب وأعمال جميلة جدا، ولكن المشكلة أن الاهتمام ليس بما يقدم ولكن بمن سيقدمه وهذا أكبر خطأ، وللأسف المسرح مشكلته كبيرة وشائكة لأنه لا يوجد أحد يتبنى قضية المسرح.
شح في الأعمال
من جانبه، قال د.محمد المهنا: لا يوجد غياب بقدر ما هو شح وقلة في الأعمال التي تتناول الجانب الوطني بشكل مباشر، ولكنها حاضرة بصورة أخرى وبشكل غير مباشر أو ضمن الإطار التاريخي للأحداث، ولكنها أيضا تعتبر بصورة عامة قليلة، لذا فإن تقديم الأعمال الوطنية من بوابة الأغاني أو الاوبريتات أمر متوقع ومناسب في مراحل معينة، وفي أوقات يكون التركيز على القضايا الوطنية من خلال الاوبريتات والتي تلاقي في الكثير من الأحيان دعما من الجهات الحكومية أو الخاصة، وتحديدا في فترة المناسبات الخاصة، وكل هذه العوامل أدت إلى ازدهار الأعمال الوطنية الغنائية.
ونفى المهنا أن تكون هناك صعوبة في دمج بين القضايا الوطنية والأحداث الدرامية، مؤكدا على ان القصص تبنى في الأساس في إطار درامي مشوق من الأحداث، هناك إمكانية في حضور القضية الوطنية ولا توجد مشكلة في طرحها، وقد تكون الأسباب تعود لعوامل إنتاجية على سبيل المثال التي تدفع في عدم تقديم هذه الأعمال، والقوالب الدرامية قادرة على تقديمه في أكثر من سياق.
وحول حالة الغياب للقضايا الوطنية عن المسرح، قال: العلاقة بين المسرح والقضايا الوطنية هي علاقة حية، والمسرح بطبيعة الحال تكون حالة الجدل واضحة من خلال مشكلة معينة أو تسليط الضوء على قضية جدلية ما، والمسرح عموما يعتبر أقل درجة مقارنة بالدراما من ناحية السرد والتوثيق ويرتكز أكثر على نواح جدلية معينة، ومسرحية مثل «سيف العرب» تعتبر استثناء بتقديم هذه القضية وكان هناك زخم في كل المستويات من ناحية كم النجوم والنص وتحول العمل إلى عمل أيقوني بالنسبة للقضية الوطنية في المسرح الكويتي، وهناك أيضا أعمال عربية مثل مسرحية «كاسك يا وطن» حيث طرحت قضايا وهموم المواطن العربي من خلال العرض، ولهذا فالمسرح ذو صلة وثيقة بالقضايا الوطنية ولكن المواضيع التي تطرح فيه تكون انتقائية من ناحية ما يجب تقديمه من عدمه.
وشدد المهنا على أن الأفكار ليست بغائبة بل متوافرة وبكثرة، ولكن قد تكون هناك حالة من التركيز على قضايا أخرى أو طرح هذه القضايا بشكل غير مباشر، معتبرا أن قلة وندرة تناول القضايا الوطنية تجعل المواد الأرشيفية حاضرة في الأذهان، وقد تغيب الأعمال الوطنية في مرحلة معينة وتظهر بشكل آخر، كما شاهدناها في الأغنيات المصورة أو في الأوبريتات الغنائية.
الصعوبة في تسويقها
بدوره، قال د.خليفة الهاجري: اعتقد ان الأسباب المحورية في غياب العمل الوطني عن الخارطة الدرامية يعود إلى عدة جوانب على رأسها تجنب شركات الإنتاج وحصرها للاعمال الدرامية ذات الطابع الوطني في جغرافية محددة، مما قد يتسبب في عدم انتشارها إقليميا او عربيا ويجعل من الصعوبة تسويقها انتاجيا، وذلك يعود إلى اتساع رقعة المحطات الفضائية وانتشار المنصات الرقمية على أجهزة الهواتف المتنقلة التي يتابعها جمهور قد لا يهتم بالجانب الوطني لدولة أخرى، كذلك نرى ان من العوامل الأخرى التي تتسبب في انحسار الاعمال الوطنية هو ان النص الدرامي الوطني يحتاج إلى عمل بحثي معمق مدعوما بالوثائق إلى تدعم احداثه التاريخية.
وعن اقتصار تقديم الاعمال الدرامية الوطنية على الاوبريت الغنائي، قال: لعل القصيدة المغناة ذات الجانب الوطني المصحوبة بنكهة استعراضية هي اسهل أنواع الفعل الدرامي الوطني غير المصحوب بحدوته درامية، والتي يغلب عليها الرقص الفلكلوري أحيانا، وفي أحيان أخرى لا تكون الحالة الاستعراضية ذات علاقة مباشرة بالعنصر الوطني بل تكون مجتزأة من ثقافات أخرى ليس لها علاقة بالفعل الوطني للبلد، وأرى أن تأصيل الولاء الوطني وهو أحد اهداف الفعل الدرامي الوطني الموجه، فيجب ألا يفرط في تقديم الرقص على انه احد جوانب حب الوطن والذي وصل في أحيان كثيرة إلى رقصات لا تتلاءم مع الطابع الوطني للعمل الدرامي.
وعما اذا كان من الصعوبة في شيء تقديم القضايا الوطنية في الأعمال الدرامية، قال: بل بالعكس من الأفضل عدم تقديم العمل الوطني خاليا من الحدوته الدرامية الموازية للهدف الوطني، بمعنى أن يتصاحب الفعل الدرامي برسائل وطنية مكثفة تقوم على تقديم الجانب الترفيهي للمشاهد من جهة وتعزيز وازعه الوطني من جهة أخرى.
أما عن اقتصار تقديم الأعمال الوطنية على المسرح، فقال: لعلنا نعود إلى نفس الأسباب التي لحقت بالدراما وتسويق الاعمال دراميا وهي شبيهة بما لحق بالمسرح، أولها هو البحث عن العمل المسرحي الشامل الذي لا يحدد ببلد ما، حتى يساعد في انتشاره لآفاق جماهيرية أكبر وأوسع، كما ان النص الوطني يعتبر من الكتابات المرهقة التي تحتاج إلى كاتب مطلع على الابعاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي يستطيع من خلالها عمل توليفة وطنية ذات جودة عالية ومقنعة في الوقت نفسه.
وعن تقييمه لتأثير غياب الأعمال الوطنية على جيل الشباب، قال: لا أظن ان الجيل الحالي قد غيب عن الاعمال الوطنية، الا ان الجيل الحالي يحتاج إلى رسائل وطنية تنافس جودة ما يشاهده في الدراما والمسرح العالميين في ابعادها الفنية والتقنية المتقدمة.