تعتبر الثقافة المجتمعية من أهم أشكال الثقافات التي تعكس كل معطيات وإمكانات المجتمع وبيئته المتاحة والممكنة، وتسمى «مجتمعية» لأنها تضم جميع الأطر السلوكية والقيمية لكل الشعب في كل المجتمع، «الثقافة المجتمعية» أيضا تعكس مدى قوة الارتباط بين الثقافة والمجتمع، وهي تعبير واضح عن تاريخ وتطور الشعوب وتعكس دائما مدى عمق التجربة الإنسانية لهذه الشعوب وتعتبر مقياسا دقيقا وحقيقيا للأنشطة الموجودة في المجتمع.
«وهي كذلك مرتبطة بالضرورة بقياس حجم الوعي في المجتمع ككل ولكل فرد من أفراد المجتمع بشكل شخصي أيضا».
***
هذا بشكل عام ومختصر جدا.
أما على مستوى الشأن المحلي ومن خلال العمل العام أو الشأن السياسي تحديدا، فأعتقد أن هناك مفاهيم غير مفهومة ومصطلحات غير منضبطة، وفي المقابل هناك خطاب سياسي ومشاريع وبرامج سياسية من قبل سياسيين مختصين.
وتوجد ثقافة سياسية يتمتع بها أقلية من النخب.. بمعنى أن الأكثرية من النخب لا يتمتعون بها.
وهنا أريد أن أكرر وأنبه إلى أن من يتمتع بها هم أقلية من «النخب»، وليست أقلية من الشعب، بمعنى آخر، أن الشعب كله في معزل عن هذه الثقافة السياسية الحقيقية.
وهذا الأمر أعتقد أنه ليس بالخطير جدا، فبإمكان الأقلية الواعية من النخب أن تقوم بتوعية النخب الأخرى، وباقي أفراد الشعب بحسب الحاجة لذلك.
ولكن الأمر الأخطر، أنه في المقابل توجد ثقافة انتخابية، يتمتع بها بكل أسف أكثرية الشعب وعدد ممن يسمون ممثلي الشعب! وتطغى هذه الثقافة على أغلب المشاهد، بما فيها المشهد السياسي بكل سياسييه ونوابه وسكرتارية النواب ومديري حملاتهم الانتخابية.
***
مسمى السياسيين أيضا بكل أسف مختزل عندنا بمن ينجح في انتخابات مجلس الأمة، أما قضية كيف ينجح.
وما الذي أنجحه؟ وما طرحه وما فكره وأدواته ومنطلقاته؟ لا أحد يهتم أو يعلم.. وهذه أمور أصلا ليست فقط غير مهمة بل غير مطروحة للنقاش أصلاً.
وهذا الأمر تحديداً هو ما يجعلنا ندور منذ عام 62 بنفس الحلقة المفرغة والدائرة المغلقة.. التي لا تسمح بالتغيير المفاجئ (للحكومات) أو التطوير الملائم لنا كشعب.
***
الوعي السياسي المعتمد والمعول على الأفراد، والثقافة السياسية عندنا أيضا في أوضاع مزرية، رغم أن الديموقراطية بشقيها العلمي والعملي تحض على التعددية السياسية وعلى أن فضل الجماعة أكبر وأقدر من فضل الفرد (وهو بالمناسبة أصل شرعي كبير جداً)، وكذلك العلم السياسي يوجب التأسيس والتأصيل للعمل الجماعي وينكر ويرفض العمل الفردي والعمل في الشأن العام والشأن السياسي يقوم قيامة وجودية وجوبية على الكيانات الجماعية وليس للأفراد بأفرادهم أي موطئ قدم، وهذا الأمر هو ما يدعونا دائما للاستغراب من عدم الالتفات إلى الجماعات السياسية أو المشاريع والتصورات السياسية ونحن في بلد ديموقراطي.
أما من يريد بقاء الحال على ما هو عليه ويتذرع بالقول إننا لا نملك مشاريع سياسية حقيقية وقابلة للتنفيذ الفوري، فإما هو جاهل لا يعلم ما طرح خلال العشرين عاما الماضية على الأقل من مشاريع، أو أنه مع احترامي غير فاهم أو مستوعب لما يدور أو يطرح حوله.
[email protected]
hammad_alnomsy@