التطيب بالزعفران
هل يجوز التطيب بالزعفران للرجال أم لا؟
٭ لا يخلو التطيب بالزعفران من حالتين:
ـ الحالة الأولى: أن يستخلص من الزعفران رائحته فقط ويخلط مع غيره من الزيوت كما يفعل العطارون اليوم، فلا بأس بذلك.
والأصل فيه الحل، والرائحة هي الأصل في طيب الرجال دون اللون، كما ورد عن عمران بن حصين أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «…ألا وطيب الرجال ريح لا لون له، ألا وطيب النساء لون لا ريح له». رواه أبوداود 4048 وصححه النسائي في المشكاة 4354.
وتكون الأحاديث الواردة في النهي عن تزعفر الرجل محمولة على قصد التشبه بالنساء، وهذا حرام في الزعفران وغيره، أو محمولة على تلطيخ الجسم به لونا ورائحة كما هي عادة النساء ويجري فيه الخلاف التالي بين الكراهة والتحريم.
وإذا سلمنا أن النهي يتناول رائحة الزعفران وحدها، فإن القول بالتحريم مدفوع بأن هذا الروائح المستخلصة من أزهار الزعفران التي امتزجت بغيرها من الدهون قد خرجت عن مسمى الزعفران المقصود في أحاديث النهي.
ـ الحالة الثانية: أن يدهن به الرجل جسمه كما تفعل النساء حتى يظهر لون الزعفران ورائحته.
فإن كان القصد من ذلك التشبه بالنساء والتطيب بطيبهن، فهذا لا يجوز فعله عند جميع العلماء، لأننا نهينا عن التشبه بالنساء وتناول ما هو من خصائصهن وهذا يسري في الزعفران وغيره.
وإن كان لم يقصد به التشبه بالنساء وإنما مجرد التطيب، فقال قوم بالكراهة وهو مذهب الحنفية والحنابلة، وقال قوم آخرون بالتحريم وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي ورجحه جملة من المحققين وهو الأرجح عندي للأدلة التالية:
عن أنس رضي الله عنه قال: «نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يتزعفر الرجل» رواه البخاري 5846، ومسلم 2101.
والتزعفر هو أن يُصبغ الرجل جسده أو ثوبه بالزعفران.
عن عمار بن ياسر رضي الله عنه، قال: قدمت على أهلي ليلا وقد تشققت يداي، فخلقوني بزعفران، فغدوت على النبي صلى الله عليه وسلم، فسلمت عليه، فلم يرد علي، ولم يرحب بي، وقال: «اذهب فاغسل هذا عنك»، فذهبت فغسلته، ثم جئت وقد بقي علي منه ردع، فسلمت فلم يرد علي، ولم يرحب بي، وقال «اذهب فاغسل هذا عنك»، فذهبت فغسلته، ثم جئت فسلمت عليه فرد علي، ورحب بي، وقال: «إن الملائكة لا تحضر جنازة الكافر بخير، ولا المتضمخ بالزعفران، ولا الجنب» رواه أبوداود وحسنه الألباني 4176.
عن عمار بن ياسر، أن رسول صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاثة لا تقربهم الملائكة: جيفة الكافر، والمتضمخ بالخلوق، والجنب، إلا أن يتوضأ»، رواه أبوداود، وحسنه الألباني 4180.
فهذه النصوص شاهدة على ما ذهب إليه الأحناف والشافعية وغيرهم من المحققين، وهو الراجح كما بينت، والله أعلم.