[email protected]
بعيدا عن رقابة العقل والمنطق رسم الفنان عبدالله الجيران لوحة «هناك 4»، وهي عبارة عن مستطيل قوي أملس ذي لون رمادي فاتح في النصف الأيمن من اللوحة يقف شامخا على أرضية بدرجات البني معمولة بطريقة المربعات، وعدد من الشخوص المطموسة الملامح ينظرون إلى من هو في القمة بطريقة مقصودة، بعضهم يحاول الوقوع به من خلال حفر القاعدة بالشبل، وهناك من يستخدم السلم في محاولة ربما للنظر إلى من هو في القمة، ونلمح مجموعة تحاول التسلق للوصول إلى القمة. وفي الثلث الأيمن من اللوحة نلمح حوض سباحة، وفي الخلفية من الجانب الأيسر ظلال تحمل نفس الخط.. نفس الشخصيات وفنان يرسم ومقابله مسند الرسم مديرا ظهره لكل عنصر من عناصر اللوحة كنوع من اللامبالاة، وأن ما يهتم به الناس لا يهمه.
فكرة العمل تدور حول قيمة الإنسان وارتباطه بحركات ولغة الجسد في التعبير عن مشاعره، فالوجوه مطموسة الملامح، ومن خلال حركة الجسد يوصل ما إذا كان سعيدا أو حزينا، مخذولا أو منتصرا.. وفي القمة هناك نلمح شخصا ذا سلطة أغلب الظن أنه إنسان سيئ غير مبال، يقف على ذلك القالب الخرساني بعيدا عن القاع والحشود، ونلمح شخوصا ممسكة بالأشبال لهدم هذا القالب الخرساني. والشخصان الواقفان في خلفية اللوحة هما الأيدي الخفية التي تقودهما، وحوض السباحة أعطى الإحساس بالرفاهية المطلقة التي يتمتع بها صاحب القصر، ووجود عدد من الأشخاص المتظاهرين والمقتحمين للقصر دليل على تمكنهم من السيطرة والانتصار الذي يطمحون للوصول إليه وقربهم من تحقيق أهدافهم ومتطلباتهم، وكذلك الشرخ الموجود في المستطيل ساهم في بداية النهاية. إنها فكرة تندرج تحت الإطار السياسي، إنها قصة غضب الجمهور على السلطة.
البناء الفني للعمل يأخذ محور متوازي المستطيلات، وهناك فراغ في الأرضية يأخذ شكلا مستطيلا داخله مثلث قاتم يقابله، ونلاحظ مربعات في الثلث السفلي للعمل على أنها بلاطات القصر. وذلك الاختصار المعبر للحشود الزرقاء، بخطوط وتفاصيل منمنمة، وعدم تناسق عناصر العمل الفني عبر عن سريالية واضحة الملامح، والخطوط المنحنية في الخلفية كسرت حدة المحور الرئيسي للبناء الفني العام للوحة.
لون الأرضية ساهم في إعطاء الثقل التشكيلي للعمل الفني، وساهم في إبراز شخصيات العمل (مجموعة جمهور) ذوات اللون الأزرق. والشخصان الواقفان في الخلفية أبدعا علاقة تقابل ناجح للمستطيل الرئيسي مما أعطى اتزانا فنيا لعناصر اللوحة. واستخدام الفنان اللون بتكنيك التقابل ساهم في إيجاد علاقات لونية ناجحة ومدروسة، فالخلفية تتدرج من اللون الأزرق المشوب بالرمادي إلى البرتقالي المشوب بضربات من الأصفر والبني، وأطفأ حرارة البرتقالي بوضع لمسات على الشخصيات الموجودة في الخلفية، لتنتج نوعا من التوازن كما فعل في بعض المربعات بالأرضية. وأعطى الجيران كل فرد حقه في تكنيك الظل والنور. ونلاحظ الخطوط الأفقية والعمودية بطريقة المنظور والتي أسفرت عن مربعات محددة باللون الأسود، والحفرة الموجودة شمال اللوحة وتلك البقعة الداكنة ترد عليها في الناحية الأخرى حمام السباحة، والبقعة البنية التي تتوسط الخلفية البرتقالية المتوهجة. فنلاحظ قوة الألوان المتوازنة من حيث الكمية والكثافة في انسيابية عالية. ونرى الفنان أوجد تتمات لون الخلفية الزرقاء في الأفراد كنوع من التآلف اللوني الواضح، في ديناميكية معبرة وواضحة من خلال الحركة الداخلية الناتجة عن حركة أجساد الأفراد.
عبدالله الجيران في سطور
في المدرسة رسم عبدالله الجيران أستاذه بقلم الرصاص، فخطف اللوحة منه أحد الأصدقاء جاريا إلى الأستاذ لكي يعاقبه، لكن الأستاذ فرح وعلقها في الفصل، وكان لهذا الموقف أثر كبير فيه.
الفنان عبدالله الجيران ولد في الكويت، وبعد حصوله على الشهادة الثانوية توجه إلى كلية التربية الأساسية، وأكمل دراسته الجامعية عام 1994 وسط نخبة من الفنانين التشكيليين العاملين كأعضاء هيئة تدريس، وهم على قدر كبير من الحرفية. عمل كاختصاصي فنون تشكيلية في جامعة الكويت وأستاذا للفنون التشكيلية في بيت لوذان، وهو عضو في كل من الجمعية الكويتية للفنون التشكيلية والرابطة الدولية في باريس.
حصد الجيران عددا جيدا من الجوائز الفنية المرتبطة بمشاركاته في المعارض التشكيلية، والتي كان لها أثرها الكبير على زيادة إبداعاته، منها المركز الأول في معرض الكاريكاتير من الهيئة العامة للشباب والرياضة، وجائزة الدانة الذهبية في معرض 25 فبراير 1998 و2001، والمركز الأول لتصميم بوستر المهرجان الثقافي الخليجي الثاني في فرنسا 1998، وجائزة عيسى صقر 2006، وجائزة الدولة التشجيعية في مهرجان القرين 2012- 2013، بالإضافة إلى عدة جوائز وشهادات تقدير، وميداليات ودروع من جهات مختلفة.
جرب الجيران معظم الألوان في أيام الدراسة بحسب طبيعة المواد الدراسية ولكن الألوان الزيتية لها نكهة خاصة في أنامله، فمن وجهة نظر الفنان الألوان الزيتية تتيح له التعايش مع اللوحة على مراحل مختلفة وهي الألوان التي يستطيع من خلالها أن يوصل فكرته. وعن اختياره للسريالية كأسلوب فني خاص يرى أنه فن الفكرة ويجذبه التحاور مع اللون في اللاواقع والخروج عن المألوف فهو رسم الأحلام والشكل المختلف.
اسم الفنان: عبدالله الجيران
اسم العمل: هناك 4
أبعاد العمل: 100×100 سم
المواد المستخدمة: ألوان زيتية على كانفس
سنة الإبداع: 2008