التنوع الإنساني لون من ألوان الحياة لتتكامل الأدوار والوظائف الحضارية، ولذلك يقبح جداً جعلها باباً لفرض فكرة عنصرية أو موقفا سلبيا يكرس استعلاء عرق على آخر، فليس هناك تمايز مقبول بين بني البشر إلا من خلال العمل الصالح ونقاء السريرة والإخلاص لله تعالى وحسب.
إن التطرف يتضمن كل مشاعر الاستعلاء والاستكبار والعنصرية المقيتة ويحولها إلى أفعال لتدمير المجتمعات ولا يوجد أي سبيل أمام البشرية سوى أن تعود إلى فطرتها السليمة التي تتمثل في قبول الآخر والانفتاح عليه بصدق وجدية، والرضا بالتنوع وتكريس التواصل والتفاعل المنتج.
ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن البشر يولدون أحرارا يمتلكون الكرامة والحرية، دون أي تمييز وأنهم متساوون أمام القانون، ولهم حق متساو في حمايته لهم من أي تمييز ومن أي تحريض على التمييز.
لقد قامت الأمم المتحدة بشجب الاستعمار وجميع ممارسات العزل والتمييز المقترنة به، بكل أشكالها، كما أنها أصدرت إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة، وذلك في 14 ديسمبر 1960 الذي أكد وأعلن رسميا ضرورة وضع حد لها بسرعة ومن دون قيد أو شرط، وجاء إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري الصادر في 20 نوفمبر 1963 ليؤكد رسميا ضرورة القضاء السريع على التمييز العنصري في جميع أنحاء العالم، بكل أشكاله ومظاهره، وضرورة احترام كرامة الشخص الإنساني من منطلق إيمانها بأن أي ادعاء للتفوق القائم على التفرقة العنصرية هو دعوى خاطئة علميا ومرفوضة أدبيا وظالمة وخطيرة اجتماعيا.
إن العمل من أجل وحدة الأمة الإسلامية، وتعزيز تماسكها وتضامنها في مواقفها هو الهدف الأساسي لدينا لأن القيم الدينية الصحيحة، حين تأخذ موقعها في نفوس أبناء المجتمع وعقولهم فإنها ترتقي بهم إلى أعلى درجات التماسك والتلاحم، وتصنع منهم أفضل جماعة بشرية، وتمنحهم القدرة على تجاوز الأزمات والمنعطفات الحادة في الحياة.
لقد عبر القرآن الكريم عن ذلك بوصفه لهم على أنهم (..صفاً كأنهم بنيان مرصوص)، كما وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الدرجة العالية التي بلغوها من التوحد والتضامن، بأنهم «كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى».
هذا هو الوجه الحقيقي للقيم الدينية الصحيحة، التي تزرع روح المحبة للآخرين، واحترامهم، وأخلاقيات التعاون وخدمة الإنسان وتحصن المجتمعات من العصبيات العنصرية والقومية والقبلية والفئوية.
إن الدين بقيمه وتعاليمه الصافية هو نبع الصفاء والرحمة والوحدة والانسجام، ولذلك لا تسمحوا لجرثومة الشقاق أن تمزقكم وتشعل بينكم الفتن والحروب، فإن البعض يتخذ من الدين غطاء لنزعة الهيمنة والاستبداد لديه، وذلك وفقاً لمصالحه المتضخمة، قامعاً للكل، لكن الأمر بأيديكم فأحسنوا الفعل والفهم.