التطور والتمدن من الأمور المهمة تحقيقها وصناعتها على أرض الواقع ولكن أيضا علينا عدم نسيان أن هناك مشاكل مصاحبة ستأتي وستحدث مع اي تغيير، ومن هنا كانت الحرفية وفن الإدارة مرتبطين بمن يستطيع صناعة المؤسسات التي تفكر جماعيا وأيضا تضع جميع السيناريوهات المحتملة لأي خلل أو طارئ قد يحصل ويحدث في المستقبل وهنا يتم التفريق بين الدولة المؤسساتية الناجحة التي تحتاط وتقرأ للمستقبل والدولة الفاشلة التي تعيش اللحظة فقط ولا أبعد منها.
من هنا علينا القول إنه يجب علينا عدم الاستهانة بأي وظيفة ومهنة وخاصة في هيكلية المدن الحديثة ومتطلبات الحياة اليومية فيها حيث انه هناك تكامل بين جميع العاملين والكل يعمل مثل«خلية النحل» مؤسساتيا وليس فرديا إذا صح التعبير حيث في حال وجود خلل أو اضطراب في أي موقع أو مكان معين أو وظيفة في تلك المدينة «المتطورة» فهذا سيتسبب في خلل في كامل المنظومة الإدارية.
على سبيل المثال نشاهد المدن الحديثة تعتمد اعتمادا شبه كلي على سواق الشاحنات لإيصال ما تحتاجه تلك المدن من مستلزمات الحياة منها الغذاء والمياه والوقود ومواد البناء واحتياجات الناس من المواد الاستهلاكية والأدوية والمعدات الطبية وأشياء أخرى مهمة جدا منها البريد العام والكاش النقدي في البنوك ناهيك عن نقل القمامة، إذن تقريبا كل ما يحتاجه سكان المدن الحديثة، لذلك يتم اعتبار سائقي الشاحنات وضمان حركة النقل العمود الفقري لهذه المدن.
وهذا الأثر والتأثير ظهر مع إضراب سائقين الشاحنات الكنديين بسبب قيود فيروس كورونا حيث قاموا بإضراب عن العمل من منتصف شهر يناير إلى تاريخنا الحالي وهذا الإضراب تسبب في إغلاق جسر امباسودور الشريان الحيوي الرابط بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا.
وهناك كذلك ترقب لاعتصام مرتقب آخر وتحرك ممتد إلى داخل الولايات المتحدة الأميركية في العاصمة واشنطن حيث يتوقع أن يقوم أكثر من ألف سائق شاحنة بالقيادة إلى قلب العاصمة هناك تضامنا مع السائقين الكنديين الذين يحتجون على قيود وباء «كورونا» وإجبارية التطعيم وحقهم في حرية الاختيار وعدم إرغامهم عليه في شكل غير مباشر أو غصبا.
إذن للتطور ضريبته والحياة مشاكلها والنجاح الحقيقي هو في قراءة المستقبل والتصرف المؤسساتي الوقائي نحو أي خلل وكما أن للتطور والحداثة مميزاتها فإن للبساطة والسهولة أهميتها أيضا في الحياة الريفية خارج المدن الحديثة وضمن هذا الميزان الدقيق علينا صناعة حركتنا الفردية والمجتمعية.